مدارات

الاستدامة: أسطورة الخلود الحي

**كما في السماء كذلك في الأرض، مصر صورة السماء والكون كله يسكن معابدها**

تلك المقولة المنسوبة إلى تحوت سيد الحكمة عند القدماء والتي تلخص معنى كل فكر إنساني وجد على الأرض وكل أسطورة حكاها الأجداد أو عقيدة اعتنقها تابعيها.

والذي ينظر إلى أساطير العالم يجدها دائما ترجع إلى شخصية أو جماعة بشرية رصدوا حدوث حدث ما سواء من الطبيعة أو منهم ذاتهم  قاموا فيه بفعل فوق العادة تجلت فيه القدرة الإلهية بشكل يعجز الإنسان عن إدراكه، وربط الاتباع بعد ذلك ميقاته بمسارات الافلاك في السماء لإضفاء القدسية عليه، كما ربطوا أبطاله وتوابع أحداثه بمواضع محددة على الأرض لإضفاء الشرعية عليها، ورفعوا مقام أصحاب الحدث وأضفوا عليهم هالة من الهيبة والقدسية والألوهية حسب قيمة الشخص، وحولوا الحدث الذي قاموا به إلى معجزة يمنع التدبر فيها معظم الأحيان لضمان سيطرة أتباع أصحاب المعجزة على العامة أطول فترة ممكنة.

لكن الزمن دوار ولكل كائن أو حدث يحدث في الكون دورة حياة تبدأ بالميلاد فالتجلي فالموت ليبعث من بين انقاضها كائن وحدث وأبطال جدد…

مع الوقت تختفي القصة وأصحابها وتصبح الحاجة ملحة عند الاتباع إلى تسجيل تلك الاحداث على هيئة مباني وأعمال فنية أو نقلها شفيها على هيئة قصص وحكايات وفي بعض الأوقات تسجل على هيئة أعراف وقوانين تتحول مع الوقت إلى عقائد منها الصحيح و منها المبتدع حتى تمتد سيطرة الأتباع وتسلطهم على العامة باسم صاحب المعجزة او باسم الإله اذا لزم الأمر، ومع زيادة الاتباع تحولت العقائد إلى أديان وأصبحت تلك القصة دين العصر وأبطالها سادته.

لكن الزمن دوار ولكل كائن أو حدث يحدث في الكون دورة حياة تبدأ بالميلاد فالتجلي فالموت ليبعث من بين انقاضها كائن وحدث وأبطال جدد، كذلك عصور البشر لها محطات ميلاد فتجلي فموت ليبعث من بين انقاضها روح عصر جديد بالتزامن مع انتهاء تأثير عقيدة العصر القديم و ظهور احداث اخرى لأبطال آخرين، و تتحول العقائد القديمة إلى قصص خرافية أو آثار مادية تحكي قصتها وقصة أصحابها دون سند أو دليل حي في نفوس البشر وهو ما نسميه حاليا بالأسطورة، اما الاحداث الجديدة وأبطالها فقد تحولوا في ذهن البشر إلى ابطال العصر الجديد ثم أصبحوا سادة وعظماء وأولياء و أنبياء ذلك العصر وحلوا محل القدماء وصارت اخبارهم هي عقيدة العصر، وكثر اتباعهم إلى أن تحولت عقيدتهم إلى دين العصر وأصبحت عقيدة القدماء هي أساطير الأولين.

كل ذلك كان منبعه حاجة الإنسان إلى الخلود سواء بجسده أو بذكراه في الأرض ما جعل الناس تبتكر الأسطورة حتى يبقوا أحياء بخلود اسطورتهم.

ذلك الخلود الحي نعرفه في العصر الحاضر بمفهوم الاستدامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock