كرونيك

الابن الضال

يشق النهر طريقه نحو البحر بصبر وعزيمة، ثم يجتاز المنحدرات والمنعرجات ويستجمع قواه في مواجهة المساحات المنخفضة والمستوية، التي قد تشل حركته، فيتشتت ماؤه وربما ابتلعته الأرض بفعل الحرارة وقلة الحركة.

مرات كثيرة، ينتهي مسار الماء المتدفق ضائعا في رمال الصحراء، بعدما أخطأ الطريق نحو البحر.

أشياء كثيرة قد تضيع دون سابق إنذار.

قد تكون بحجم صاروخ ضخم حاولت دولة كبيرة أن تنافس به الأمم، قبل ان يزيغ عن طريقه ويصبح محط اهتمام وتتبع خوفا من سقوط قاتل على رؤوس بريئة في بلد ما.

في باب الضياع، اعتاد المغاربة أن يصادفوا بين الفينة والأخرى، طفلا أفلت تلابيب أمه وفقد رفقتها في زحام السوق وبين المرتادين.

غالبا، ينتهي الأمر بلم شمل جميل ومؤثر بين الأم المسكينة وابنها التائه يستحق موسيقى تعبيرية تليق بفيض مشاعر الفرح والامتنان المرافق للنهاية السعيدة.

كادت حرية التعبير أن تفقد مساحة إضافية بعدما انبرى محامون للدفاع عن حق غير واضح في حصانة خاصة ضد الإبداع.

أعادت المحكمة الأمور إلى وضعها الطبيعي بعدما رفضت الدعوى.

قيم الحرية والمساواة أمام القانون هي ما يميز مهنة المحاماة عن غيرها وما يمنحها شارة النبل والتألق الإنساني، أما مشاهد عابرة في سلسلة تلفزيونية، فلن تمس في شيء  هيبة البذلة السوداء ولا حضورها الفاعل داخل المجتمع.

المعارك الكبرى يجب أن تكون دفاعا عن من يقبع وراء القضبان من أجل رأي جريء أو موقف شجاع في مواجهة الظلم والتسلط.

في سيرة الإبن الضال، تقول الرواية المسيحية أن الإبن الشارد  فقد ما كان يملك وأصابه فقر شديد، فعاد إلى بيت أبيه يحلم أن يقبل خادما لا غير.

أعاد الأب ابنه الضال إلى الحياة الهنية بعد أن قبل توبته الصادقة.

تدور معارك بائسة في قطاعات مختلفة وحيوية. بين الوعود المتكررة لأوصياء القطاع والهشاشة والتخبط والتعنت تتساقط منظومة التعليم ومعها ما تبقى من قيم مجتمعية.

يبدو، كذلك، أن الأحزاب السياسية كافة قد أضاعت البوصلة، وانحصر تفكيرها في لعبة المقاعد والانتخابات.

مجهود سنين طويلة وتضحيات جسام من أجل بناء ديمقراطية حقيقية قد تتبخر وكأنها لم تكن أبدا.

لا نريد أن يسقط الصاروخ الصيني على رؤوسنا، ولا نريد لماء النهر أن يتسرب إلى أعماق الأرض قبل أن يعانق البحر، ولا لأطفالنا أن يتيهوا عن أمهاتهم داخل الاسواق أو في عرض المحيط.

حان وقت عودة الإبن الضال إلى الوطن.

حان وقت رحيل الانتهازيين والتافهين.

حان وقت نهاية مسلسل الضياع وسنواته وأبطاله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock