استراتيجية التمكين لدى البيجيديين
تداولت مواقع التواصل الاجتماعي أخبارا معززة بصور تفيد أن رئيس المجلس البلدي لمدينة تمارة اتخذ بعض القرارات الإدارية تمنع على الذكور ولوج مقر البلدية بالسروال القصير كما تفرض على المواطنين الراغبين في تصحيح الإمضاء الفصل بين الجنسين، وذلك بإحداث شباك للذكور وآخر للإناث.
قد يبرر البعض أن الإجراء إياه يتوخى الحفاظ على احترام الإدارة وصيانة كرامة الإناث وحمايتهن من التحرش. لكن الباعث والغاية هما أبعد وأخطر من كل هذه التبريرات.
فرئيس المجلس البلدي لتمارة، كغيره من أعضاء حزب العدالة والتنمية، مكلَّفون بتنفيذ استراتيجية “الأسلمة” التي وضعتها حركة التوحيد والإصلاح وينفذها حزب العدالة والتنمية تدريجيا من موقع مسؤولية أعضائه في مؤسسات الدولة والمجالس المنتخَبة. وحين قررت حركة التوحيد والإصلاح المشاركة في الحياة السياسية عبر الانخراط في حزب عبد الكريم الخطيب، لم تكن تتخذ من الانتخابات هدفا في ذاته، بل بوابة رسمية تسمح لها بالمشاركة في وضع التشريعات ورفض ومناهضة ما تراه منها مخالفا لاستراتيجية الأسلمة التي تتبناها. كل هذا بهدف فرض الرقابة التشريعية على الدولة ومؤسساتها الدستورية، أي ممارسة نوع من “الولاية الدينية” شبيهة بولاية الفقيه الشيعية على الدولة.
فالحركة لا تكتفي “بتوعية” المواطنين بشؤون دينهم، وليس لهذه الغاية تأسست، بل إعادة تشكيل المجتمع والدولة على نمط يستجيب لمنظور الحركة ويخضع لاستراتيجية “الأسلمة” التي يعرفها ميثاق الحركة بأنها إقامة الدين على مستوى المجتمع، يعني أن تنضبط هذه المؤسسات (= المنزل والمدرسة والجامعة والمستشفى والسينما والسوق والمسرح والمسجد والشارع والمقهى والنادي والفندق والحديقة والمتجر والإدارة والمزرعة والمصنع والطريق والسجن وغيرها) أن تنضبط هذه المؤسسات بأحكام الإسلام وأن يكون من فيها ملتزمين بأحكام الإسلام في أنفسهم وعلاقاتهم ومعاملاتهم).
وباعتبار الدستور المغربي يسمح للمجالس الترابية بوضع تشريعات محلية لتدبير الشأن العام المحلي، فإن أعضاء حزب العدالة والتنمية الذين يتولون رئاسة هذه المجالس يستغلون هذه الفجوة ليس لما ينفع المواطنين ويخفف عنهم الاكراهات اليومية (النقل العمومي، النظافة، الحدائق العمومية المنعدمة ، وضعية الشوارع والأزقة المحفرة والمهترئة ..)، ولكن لتنميط سلوكهم بما يتوافق مع تصور الحزب لمجتمع لا يوجد إلا في مخيلة قادته ومنظّريه.
فحين قرر رئيس المجلس البلدي لفاس منع الاختلاط في صالونات الحلاقة والتجميل، لم يكن بهدف تنظيم المهنة، بقدر ما هو تطبيق “للأسلمة” التي تقتضي في عقيدة حزب الرئيس وحركته منع الاختلاط بين الجنسين. وهذا ما قرره رئيس بلدية تمارة الذي لا تشغله من مشاكل البلدية وسكانها غير الاختلاط.
ليعلم رئيس البلدية ونظراؤه في كل المجالس الترابية، أن صيانة كرامة المواطنين، والمرأة على الخصوص، ليس بالفصل بين الجنسين وتخصيص شبك للإناث وآخر للذكور، بل فتح أكبر قدر من الشبابيك وتجنيد ما يكفي من الموظفين لتيسير الحصول على الوثائق وتصحيح الإمضاء، وكذا توفير الكراسي للمواطنين داخل مقرات البلدية حتى يلتقطوا أنفاسهم ويريحون أجسادهم من تعب التنقل ومشاكله. الكرامة الحقيقية التي على رئيس بلدية تمارة أن يصونها هي ألا يترك النساء واقفات في الطابور ينتظرن الحصول على وثيقة أو تصحيح الإمضاء، وكذلك الشأن بالنسبة للذكور وخاصة كبار السن والمرضى .
على هذا الرئيس أن يدخل العصر بقيمه وتقنيته وخدماته، بأن يجعل إمكانات البلدية ومواردها البشرية والمالية في خدمة الساكنة. إن المواطنات والمواطنين بحاجة إلى تجويد الخدمات الإدارية وتسهيل الحصول على الوثائق توفيرا للوقت والجهد. إذ ما فائدة الفصل بين الجنسين في ظل بطء الإدارة وسوء الخدمات وانعدام الكراسي وضيق فضاء المرافق.
وليعلم الرئيس وأمثاله من حملة مشروع “الأسلمة” أن التحرش بالنساء لن تتم محاربته بمنع الاختلاط ولا بفرض الحجاب والنقاب، فأفغانستان تحتل المرتبة الأولى في التحرش رغم أن كل نسائها محجبات ومنقبات وغالبيتهن يرتدين البرقع. إن المدخل لمحاربة التحرش هو تجريمه قانونيا وتشديد عقوبته، أما مسألة القيم والأخلاق واللباس، فإن كانت تنفع وتحمي من التحرش لكانت حمت نساء الحزب والحركة من التحرش داخل الهيأتين ومن طرف المنتسبين إليهما. وليعد الرئيس إلى تحذيرات بنكيران لأعضاء حزبه من تفشي التحرش بينهم رغم كونهم يطبقون الفصل بين الجنسين في مقرات الحزب وأثناء الندوات واللقاءات المفتوحة وحتى المغلقة.
إذن، ليس هدف البيجيدي من المشاركة في الانتخابات والانخراط في الحياة السياسية هو خدمة الصالح العام، بقدر ما يهدف إلى فرض استراتيجيته واستغلال تواجد أعضائه في مراكز القرار والتشريع للقيام بالمهمة.
في هذا الإطار، جاءت قرارات رئيس بلدية تمارة بتغيير أسماء عدد من الشوارع والأزقة ووضع بدلها أسماء لرموز التطرف والإرهاب. فإذا كان الفصل بين الجنسين داخل مقر البلدية بمبرر صيانة كرامة النساء، فبأي مبرر أطلق أسماء شيوخ التكفير والكراهية والقتل على شوارع المدينة؟ أو منع دخول الذكور بالسروال القصير إلى البلدية؟ قرارات من هذا النوع “الداعشي”، وإن بدت محدودة وبسيطة، فهي إشارة دالة على ما يعدّه الحزب مستقبلا من أجل الهيمنة على الدولة والتحكم في المجتمع باستعمال الآليات الديمقراطية تنفيذ لما نصت عليه أطروحة المؤتمر6 للحزب (على أن الاشتغال على قضايا المرجعية والهوية والقضايا الأخلاقية وجب أن يتم ضمن آليات الاشتغال وأدوات الخطاب السياسي أي باعتبارها من قضايا السياسات العمومية مما يقتضي التركيز على مقاربتها مقاربة قانونية وتشريعية ورقابية. فمقاربة الحزب لقضايا الهوية والأخلاق تتم بترجمتها إلى إجراءات عملية ومقترحات مفصلة مع آليات التنفيذ، وهو ما يعني اقتراح سياسات عمومية في إطار برامج سياسية تطرح ديمقراطيا ضمن المؤسسات المنتخبة ذات الصلاحية).
نفس الاستراتيجية نهجها إسلاميو الأردن فانتهى بهم المطاف إلى حل التنظيم بقرار من المحكمة.