مدارات

اخرسوا…!

أتذكر فيديوهات الشعراوي التي كان يهدر فيها دم تارك الدين وتارك الصلاة ومنكر المعلوم من دينهم بالضرورة،، وهو اختراع فقهي خلاصته أن من يخالف رجال الدين الرأي من حقهم أن يقتلوه أو يقومون بسجنه مثلما حدث مع إسلام بحيري والمستشار أحمد عبده ماهر والذي أجبروه علي اعتزال الكتابة والتأليف والبحث لأنه خالفهم الرأي والمعلوم من دينهم بالضرورة،،،،

رشا رفعت شاهين

حدثني صديق أمريكي مصري ترك الأديان منذ زمن عن إحدى قصص الكتاب المقدس؛ تحكي القصة عن يهوذا، أحد أبناء يعقوب الذي تحايلت عليه أرملة أبنيه، فقد تزوجت الأكبر ثم مات ومن بعده الأصغر الذي مات أيضا، كما تحكي القصة، تحايلت عليه، لكي تصبح حاملا منه لأن نسله مقدس،، وتنكرت في شكل بائعة هوى وانتظرته علي قارعة الطريق لتمارس معه الجنس،،

وتروي القصة أنه كاد يحكم عليها بالرجم، لكنه عفا عنها عندما اكتشف حملها منه،،

حسبما أتذكر، سرد صديقي للقصة والتمس العذر من المتدينين والمؤمنين بالكتاب المقدس إن فاتتني تفصيلة ما،،،

يقول صديقي أن الإبراهيميات تمارس فعل التعريض للشخصيات المقدسة (ومن تم للحكام والمسئولين ومن بيدهم السلطة كما نرى في مجتمعات العالم الثالث)،،

ففعل الزنا إن أتي من شخص عادي وجب رجمه وقتله وعقابه ولعنه، أما إن أتي من نبي أو رسول أو قديس، فله آلاف المبررات،، ويقول أن في أمريكا وفي الدول المتقدمة يرفضون هذا صراحة وعلناً ودون خوف أو مواربة،، يرفضون الكيل بمكيالين،، وإخفاء معتقداتهم وآرائهم مهما كانت قد تبدو غريبة أو مرفوضة،، ليس لديهم  قانون ازدراء أديان أو حكم بالحبس أو رفد من العمل بحكم قضائي،،

أتذكر قضية الدكتورة مني البرنس التي  حُكِم عليها بالرفد من وظيفتها كأستاذة جامعية، لأنها رقصت فوق سطح منزلها وقامت بتصوير ذلك في فيلم فيديو وقامت بنشره،،

وأتذكر القاضي الذي ذكر في حيثيات الحكم أنه يجب على الشخص أن يخفي معتقداته ولا يجهر بها،، وهو ليس بغريب علي قضاة  درسوا شريعة متمثلة في آراء فقهاء ماتوا منذ مئات السنوات وكانت آراؤهم تجبر الناس علي الإسلام علناً وإخفاء معتقداتهم  سراً،، وتجبرهم علي الصلاة وإلا تم إهدار دمهم،،

نعم، إهدار دم من ترك الإسلام أو ترك الصلاة،، أي قتله،،

أتذكر فيديوهات الشعراوي التي كان يهدر فيها دم تارك الدين وتارك الصلاة ومنكر المعلوم من دينهم بالضرورة،، وهو اختراع  فقهي خلاصته أن من يخالف رجال الدين الرأي من حقهم أن يقتلوه أو يقومون بسجنه مثلما حدث مع إسلام  بحيري  والمستشار  أحمد عبده  ماهر والذي أجبروه علي اعتزال الكتابة والتأليف والبحث لأنه خالفهم الرأي والمعلوم من دينهم  بالضرورة،،،،

فهل ننتظر من شعوب لا يستطيع مواطنوها ممارسة أبسط حقوقهم مثل التعبير عن رفضهم  للكيل بمكيالين،، أو زواج شيخ في الخمسين من طفلة في التاسعة، أو القتل والسبي وهتك الأراضي والأعراض التقدم والنهوض؟؟

هناك دول تم محوها تماماً في وقت ما من خريطة العالم تقريباً مثل اليابان وألمانيا، ورغم ذلك تغيرت أفكار شعوبها فعادت للبناء  والنمو وتقدمت،، أما في بلدان العالم  الثالث فمطلوب من الطفل والشيخ  التمسك بنماذج فاسدة، بل وإطلاق أسمائهم علي الشوارع  والمباني وتقديسهم،، مطلوب من كل شخص أن يخرس.

لابنتي الصغرى أصدقاء في مدارس راهبات فرنسية عريقة وشهيرة في مصر الجديدة، وقد حكوا لها أن لهم ستة من الزملاء المصريين اليهود الذين اضطروا لكتابة أنهم مسلمين، هم وأهاليهم، في بطاقاتهم الشخصية،، في نقاشات متعددة مع أقارب لي من أطباء وحاملي مؤهلات عليا وكذلك  مع أناس بسطاء جدا قابلتهم في أماكن وظروف مختلفة،، سألتهم،، هل توافقون إذا أفتى الشيوخ بذلك على قتل المرتد وتارك الصلاة ؟؟ كانت ردودهم جميعاً… نعم…

شعوب بلا ضمائر وعندما يموت الضمير ينهار كل شيء،، عندما يتم إرغام طفل صغير علي قبول ما يرفضه قلبه الغض ويتم تعنيفه وعقابه من المعلمين والأهل،، عندما يرى من سفك وقتل واغتصب أرضه وقد تصدر الكتب والشوارع والمباني والميادين،، عندما يرضعونه الزور والكذب،، مشكلة شعوبنا ليست اقتصادية أبدا بل أخلاقية  في الأساس،،

صديقة أميركية من أصل عربي تسمي نفسها علي فيس بوك (السلطانة وفاء) أحببت أن اقتبس منها بوست كتبته لأختم به مقالي  تقول في:

تمّ افتتاح مطعم جديد في حارتنا، وكان الافتتاح الساعة الثالثة ظهرا. الوجبة الرئيسة في أمريكا يتمّ تناولها عموما بعد الساعة الخامسة، ولكي نتفادى الزحمة، كنت وزوجي هناك في الثالثة، وإذا بنا نجد أنفسنا يوم الحشر، فانتظرنا أكثر من ساعة ونصف ليأتي دورنا. لم نكن هناك، وكذلك أغلب الزوار، إلا من منطلق دعم البزنيس الجديد، وإيصال رسالة للمالك أنه سينجح على الموقع Nextdoor الذي نتواصل عليه نحن جيران المنطقة ومنذ أكثر من سنة، سمعنا بأن مطعماً جديداً سيفتح في حينا في اليوم الفلاني، وبدأ الجيران منذ أكثر من شهرين يتوسلون إلى بعضهم البعض لتشجيع البزنيس الجديد، ومحاولة زيارة المطعم يوم الافتتاح، وكان ذلك، إنها ثقافة التشجيع وتمني الخير للغير، في محاولة لدعم المجتمع وتسيير دفة الاقتصاد.

يوم كنت طالبة في الجامعة في حلب، كان لنا جار مشهور كمتعهد بناء، وكان ينافسه متعهد آخر. سمعته أكثر من مرّة يقول لزوجته أم أحمد: كم أتمنى أن أذهب إلى المبنى الذي يبنيه، وأخلع اللوحة الموجودة على المدخل والمكتوب عليها: شقق فخمة للبيع، وأضع بدلا عنها لوحة مكتوب عليها: شقق فخمة للبيع.

زار صديق لنا قادم من سوريا أخاه، ونزل يومين في ضيافتنا. كنا نسوق به على الطريق السريع  Feeway، فنظر من نافذة السيارة، وقال: ليتني أستطيع أن أخلع كل هذه اللوحات التي تحمل أسماء الشوارع على المداخل والمخارج، وأرى كيف سيذهب الأمريكان إلى أعمالهم ويعودون إلى بيوتهم، كم سيكون المنظر مربكاً ومضحكاً في آن واحد..

….

….

الخراب ثقافة، والواقع ثمرة ثقافته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock