إلى أي مدى يمكن أن تكون الأفكار “معدية”؟
قام الفيلسوف دان سبيربر بمحاولة رسم صورة وبائية للأفكار، ولكن أيضا للتمثلات والممارسات الثقافية، من ظاهرة الشائعات إلى الحكايات الشعبية مرورا بالتدخين. للوقوف على تفاصيل هذه المحاولة السبيربرية تعالوا نتابع هذا الحوار الذي أجراه معه موقع “franceculture”.
كشف غوستاف لوبون في كتابه “سيكولوجية الجماهير” المنشور عام 1895 عن ظاهرة “العدوى العقلية” بين الحشود. إن فردا في حشد – كما قال – هو ضحية العدوى التي تسببت في فقد سماته الخاصة لكي يذوب في حشد ، مثل الكثير من محبي بريتني سبيرز الذين يستمعون إلى أغنية (Toxic)، أحد الأغاني الأكثر شعبية في العالم حاليا. كيف تنتشر الأفكار، المواقف والعواطف بين البشر، كل واحد على حدة، أمام جهاز الكمبيوتر الخاص به، على الإنترنت، في حشد أو ببساطة في علاقاته الاجتماعية اليومية؟ كيف يتم إنشاء ممارسات مشتركة أو معارضات بين المجموعات؟
السؤال الأول: على عكس غوستاف لوبون الذي تحدث عن العدوى العقلية، هل تثير من جانبك ظاهرة عدوى الأفكار؟
دان سبيربر: نلمس لدى غوستاف لوبون حذرا عميقا حيال الحشود، حيال الحركات الجماعية، الأشخاص الذين لا يتمتعون بسلطة تذكر بشكل فردي والذين يتكاثرون ليكون لهم تأثير أكبر. إن فكرة أنهم يصبحون بلا عقل تقريبا، بل منومين من قبل القادة، والتباين الذي يسعى إلى أن يتأسس بين هذه الحشود التي لا عقل لها وبين نخبة لا تنحشر في الحشد، قادرة على التفكير للآخرين، تمت استعارتهما بقوة من الاختيارات الإيديولوجية لرجل من القرن التاسع عشر. اليوم، عندما نستخدم كلمة العدوى، نفكر على الفور في الأمراض المعدية. ولكن هناك أنواع أخرى من العدوى أو انتشار السلوك: يمكن للمرء أن يفكر، مثلا ، في العدوى غير الفيروسية مثل الحالة العصبية، أو سلسلة من السلوكيات الانتحارية أو عادة التدخين، التي يمكن أن يقال إنها تنتقل، ولكن ليس بشكل فيروسي.
السؤال الثاني: يبدو أن هناك عوامل مختلفة تعمل على نقل فكرة أو سلوك
دان سبيربر: فعلا، ولكن لا يزال بإمكاننا تحديد ثابت هو الجاذبية. بعض الممارسات الثقافية أو الفكرية هي الأكثر جاذبية من غيرها. وما يجذب البشر يرجع في جزء منه إلى ظواهر تتعلق بتنظيم الدماغ، وفي جزء آخر إلى ظواهر متموقعة تاريخيا وثقافيا. خذ مثلا الحكايات الشعبية. في جميع أنحاء العالم ، نجد نفس البنيات السردية: مشكلة أو تحديا أو محنة يتم حلها في النهاية، إلخ.. خذ قصة (Le Petit Chaperon rouge) التي انتقلت شفويا. لماذا لم تذهب في جميع الاتجاهات؟ لماذا، على الرغم من اختلافاتها ، بقيت حكاية معترف بها عبر القرون والمجتمعات؟ لأن الاختلافات تميل إلى التقارب نحو شكل أكثر جاذبية. الدماغ البشري مكون على هذا النحو بحيث تكون بعض أشكال السرد مناسبة لنا أكثر من غيرها. لذا، إذا سمعنا روايات تنحرف عنها، فلن نعيد إنتاجها ولكننا سنقوم بتحسينها لفائدة المنجذبين لأسباب بيولوجية عصبية ولأسباب تعود للعادات الثقافية.
السؤال الثالث: هل تدافع عن فكرة مقاربة وبائية للأفكار؟
دان سبيربر: نعم الأفكار، الشائعات، التقاليد وجميع الممارسات الثقافية. لديك ظواهر اجتماعية كالشائعات مثلا، التي هي عابرة نسبيا، تدوم بضعة أسابيع أو بضعة أشهر. تختفي أو تعود بشكل دوري، مثل شائعة سرقة القضيب في غرب أفريقيا مثلا. وأخرى، مثل التقاليد، التي تنتشر بوتيرة بطيئة جدا، والتي تنتشر شيا فشيئا. فكرتي هي أنه لفهم هذه التنشئة الاجتماعية للأفكار والممارسات، يجب أن نفهم الآليات الدقيقة التي تجعلها ممكنة. وأحيانا ما تكون هذه الآليات الدقيقة عمليات إرسال جماعية، مثل ما نقوم به الآن: “أحاول أن أبيع لأوسع جمهور ممكن فكرة عن وبائية الأفكار.” ولكن في أغلب الأحيان إرسالات بيفردية. ماذا يحدث في الإرسال؟ الفكرة السطحية إلى حد ما الموجودة في العلوم الاجتماعية هي فكرة النسخ، سيكون الإرسال بواسطة آلة Xerox. عندما نتواصل، سيكون لدى الآخرين نسخة من الفكرة التي ارتأينا أننا نريد توصيلها. أو في الممارسة، نقلد ما يفعله الناس، نكون هنا بصدد أعادة الإنتاج. هذا خطأ! إذا نظرنا إلى آليات الاتصال الدقيقة، فإننا ندرك أن هناك الكثير من التحولات التي تحدث: هناك فقدان للمعلومة، خلق المعلومة، إعادة البناء.
لذلك، لدينا قدر كبير من تقلقل المعلومة التي يتم تداولها. ولكن كيف تمكنت بعض المعلومات من الاستقرار بمحتوى متجانس إلى حد ما داخل مجموعة اجتماعية؟ هذا هو السؤال المثير للاهتمام الذي لا يمكن الإجابة عنه دون دراسة آليات الإرسال الدقيقة للغاية.