ثقافة و فن

إشكالات الترجمة الصينية للنص الإبداعي المغاربي في الدار البيضاء

استمرارا لأنشطته الثقافية الساعية إلى الانفتاح على كل الثقافات والتجارب الإنسانية، في مشارق الأرض ومغاربها حول قضايا البحث العلمي، عقد مختبر السرديات والخطابات الثقافية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء، صبيحة يوم الأحد 20 يونيو 2021، ابتداء من الساعة العاشرة والنصف ندوة في موضوع “الترجمة الصينية للنص الإبداعي: إشكالات وآفاق”، بعد الندوة الأولى في موضوع “دور الأدب في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها”، عبر تقنية التناظر المرئي عن بعد “غوغل ميت” ونقلا على صفحات التواصل الاجتماعي لمختبر السرديات والخطابات الثقافية، ونادي القلم المغربي، وصفحة الجمعية المغربية للباحثين في الرحلة.

كالطير الذي يرفرف عبر الحضارات…

استهلت الأستاذة زهرة الغلبي الندوة بالحديث عن الترجمة باعتبارها علما وفنا وليس عملا فقط ناقلا للخطاب، والمترجم كالطير الذي يرفرف عبر الحضارات المختلفة لينقل أساطير وقصص الغير، لذا وجب عليه أن يكون عارفا ملما بأسس الترجمة، آخذا بعين الاعتبار أن اللفظ جسد والمعنى روحه. كما أشارت إلى بعض الكتب والمشاريع العربية التي تترجم حاليامن قِبَل الصينيين؛ من بينها كتب عابد الجابري، فاطمة المرنيسي، أحلام مستغانمي، وكتب الأدب العربي القديم من قبيل ألف ليلة وليلة، كليلة ودمنة، ومؤلفات طه حسين وجبران خليل جبران.

بعد هذا الاستهلال المقتضب، أشار الأستاذ ناصر ليديم إلى الدور الذي يلعبه مختبر السرديات في الانفتاح على الثقافات العامية بصفة عامة، والثقافة الصينية على وجه الخصوص، عبر إشكالات وآفاق البحث العلمي المغاربي، رغبة في مد جسور البحث العلمي بين الثقافتين، كما تحدث عن ضعف وتقهقر الأعمال العربية والمغاربية المترجمة إلى اللغة الصينية، وهو السببالدافع إلى تنظيم هذه اللقاءات، لتحفيز العمل في هذا المجال.

انطلق المتدخل الأول في هذا اللقاء الأستاذ دينغ جيغوانغ (محمد)، من حديثه عن علاقة النص الإبداعي المغاربي بالترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الصينية، وقد وسم ورقته بعنوان “اللقاء الممتع بين الحضارة العربية والحضارة الصينية، الشيخ وانغ داي يوي أنموذجا”.عرّف الأستاذ في مداخلته بالشيخ وانغ داي، شيخ الإسلام الذي حاول التوفيق بين الحضارتين الصينية والعربية، واستطاع تحقيق إنجازات هامة في هذا الإطار، كما ألف العديد من الأعمال الفلسفية القيمة بهدف مساعدة المسلمين الصينيين على فهم دينهم وانفتاح غير المسلمين على الإسلام.

خصائص حضارتين

ثم انتقل بعد ذلك للحديث عن خصائص الحضارتين العربية والصينية، وعن مدى تميزهما، مع التركيز على الحضارة الصينية وأهم ملامحها وتقديمها للحضور العربي.ومن بين خصائص الثقافة الصينية حسب الأستاذ محمد:

–         أولا: قدم تاريخ الحضارة الصينية وعراقته؛

–         ثانيا: كثافة الثقافة الصينية وتوسعها؛

–         ثالثا: ثقافة النهر، إذ يرتبط الصينيون بالنهر بشكل وطيد كالنهر الأصفر الذي يمتد في الثقافة الصينية؛

–         رابعا: ثقافة الزراعة، ذلك أن الصينيين يولون اهتماما كبيرا بالثقافة؛

–         خامسا: الثقافة السلمية المتناغمة: فالرجل والمرأة في الصين يعملان جنبا إلى جنب، كما أنهما  يعيشان في سلام؛

–         سادسا: الثقافة المغناطيسية، إذ يمكنها التكيف مع مختلف البيئات المعقدة؛

–         سابعا: ثقافة المرونة، حيث يسود التسامح وقبول الاختلاف؛

–         ثامنا: ثقافة خط الحروف الصينية.

وبالعودة إلى الشيخ وانغ داي فقد رأى الأستاذ المحاضر أن الشيخ قد عمل على إحياء الحضارة الإسلامية التي تعرضت في مرحلة ما للتراجع بسبب تأثر المسلمين بالثقافة الصينية، وقدم إسهامات مهمة في التوفيق بين الحضارتين، ومنها على سبيل المثال علاقة المسلمين مع الإمبراطور الذي كان يعبد ويركع له في الثقافة الصينية، وهو أمر مرفوض في الدين الإسلامي.ولحل هذه الإشكالية اقترح الشيخ أن السجود للإمبراطور من حب الوطن وليس كالسجود لله.

رأي صيني: كونفوشيوس فيلسوفا وليس داعية

ثم عرج الأستاذ المحاضر على رأي الشيخ وانغ داي في الكونفيوشوسية، والذي اعتبر كونفوشيوس فيلسوفا وليس داعية، والكونفوشيوسية هي علم وليست عقيدة، فأفكار الكونفيوشوسية هي أفكار فلسفية أخلاقية جوهرها تربية الأخلاق وتنظيم السلوك مع اهتمامها الكبير بالتعليم، ويبدو أن أفكار الشيخ وأفكار الكونفيوشوسية متماثلان على حد تعبير الأستاذ محمد.

وفي ختام مداخلته أشار الأستاذ محمد إلى رأي الشيخ وانغ داي في الطاوية، باعتبارها عقيدة قديمة في الصين، والطاوية نسبة إلى الطاو، وهو الطريق الذي يمتد إلى القوانين والمبادئ، وطاو حسب أتباع هذه العقيدة هي أصل كل الأشياء في الكون، وهي البداية والنهاية، والطاوية هي المطلق الكائن، بينما في الإسلام العقيدة الأساسية هي التوحيد، واستخدمالشيخ مصطلحات الفلسفة الطاوية للتعبير عن التوحيد. والله هو الواحد المطلق.

الورقة الثانية كانت للأستاذ (جمال الدين) مايوشيانوسمها بالتفكير في نصيب الأدب المغاربي من الترجمة، وقد عبّر الأستاذ عن شكره لمنظمي هذا اللقاء بين مشرق الشمس ومغربها،وأشار إلى أن العلاقة بين البلاد المغاربية وبلاد الصين عريقة، وقد سجل كتاب ابن بطوطة هذه العلاقةبين دفتيه،  وقدم معلومات وافرة للباحثين في مجال التاريخ، فلترجمته إلى الصينية أهمية علمية ودبلوماسية، وقد ترجم إلى الصينية سنة 1927، في قسم منه يضم معلومات في الاتصالات بين الصين والمغرب، ليتم ترجمته بعد ذلك كاملا بعد ستين سنة، وهو أول كتاب من الأدب المغاربي ترجم إلى اللغة الصينية، بالإضافة إلى ترجمة بعض الأعمال المغاربية الأخرى من بينها: “ليلة القدر” للطاهر بن جلون سنة 1990، و”الحب الأول هو دائما الحب الأخير” للطاهر بن جلون سنة 2011، وبعد ذلك جاءت ترجمة كتاب “مقابر مشتعلة” لأحمد الكبيري سنة 2018.

وقد اعتبر الأستاذ جمال الدين أن نصيب الأدب العربي من الترجمة الصينية أكبر من نصيب الأدب المغاربي، فقد ترجمت العديد من الأعمال العربية  مثل الأيام للكاتب طه حسين وثلاثية نجيب محفوظ وأعمال أدونيس وجبران خليل جبران، مشيرا إلى أن جهود الصينيين في مجال الأدب العربي غالبا ما تقتصر على ترجمة الأعمال المشهورة على مستوى العالم، فين حين تظل الأعمال غير المشهورة متوقفة على جهود فردية، كما أن المسافة بين البلدين تشكّل هوة عميقة تحول دون تحقيق هذه الغاية.

ولحل هذه المشكلة قدم الأستاذ جمال الدين جملة من الاقتراحات من بينها:

–         أولا: وجوب تكثيف البعثات الطلابية حتى تكون جسرا لانتقال الثقافة، فعدد الطلاب المغاربة قليل مقارنة مع بلدان اليمن ومصر والسعودية، ومن أجل تخطي هذه الهوة لا بد من تبادل الطلاب الوافدين بشكل مكثف؛

–         ثانيا: تعميق التبادلات الثقافية بين البلدين، حيث يلاحظ غياب التبادلات الثقافية مقارنة مع التبادلات التجارية والديبلوماسية؛

–         ثالثا: كانت الآداب العربية أثناء ازدهار العرب تشكل إقبالا من قِبَل الغرب، لذا وجب إعادة الاهتمام والثقة في الأعمال العربية.

وفي ختام مداخلته اقترح بعض الملاحظات لضبط عمل نقل الثقافة العربية منها:

ضبط عمل نقل الثقافة العربية

–         تنمية قدرة العلماء والباحثين الذين يشتغلون في مجال الترجمة، وتعزيز لغتهم وثقافتهم العربية والصينية؛

–         حث العلماء والباحثين على تبادل الخبرات في الترجمة، من خلال توجيه النقد العلمي للأعمال المترجمة وتجنب المدح المبالغ وعدم التعرض للأخطاء؛

–         تعزيز دراسة الأدب العربي ووضع خطة اختيارالأعمال الأدبية الممتازة ودراستها دراسة علمية تفيد المجتمع.

أما المداخلة الثالثة فقد كانت للأستاذ ماباوشينغ (موسى)، انطلق فيها من سؤال رئيس هو كيف ندعم التبادلات الثقافية بين الدول المغاربية والصين؟ وقد أشار الأستاذ موسى في بداية مداخلته إلى المحاولات الأولى لمد الجسور الثقافية عبر تبادل النشر والترجمة منذ سنة 2015، وكذا معرض الكتاب الذي نظم في أبو ظبي سنة 2019 الذي ساهم في نشر مجموعة من الكتب الصينية والعربية.ومن أهم الكتب التي نشرت في هذا المجال كتاب تاريخ التبادلات العربية الصينية الذي استغرق عشر سنوات لكتابته وست سنوات لترجمته، ويعد إضافة علمية وأكاديمية مهمة.

كما تطرق الأستاذ إلى مبادرة “الحزام” التي عمقت فهم الآخر والتعرف عليه، كما شقت طريقا لتقديم الثقافة العربية في الصين. وقد انتبهت الصين إلى أهمية الانفتاح على الآخر.وأكد الأستاذ موسى في الختام على أن الترجمة لا تقتصر على النقل من لغة إلى لغة أخرى، بل من ثقافة إلى ثقافة أخرى، إنه نقل يتطلب فهما عميقا لثقافة الآخر، لذا يجب مراعاة هذه الخاصية أثناء الترجمة.

واختتمت الندوة بمداخلات الحضور العميقة التيانصبت حول موضوع الترجمة، وحملت هواجس انصهار ترجمة الإنسان أمام الترجمة الرقمية للتطبيقات والبرامج الإلكترونية، وقد أشار الأساتذة الصينيون إلى أن هناك مشاريع ترجمة لبعض الأعمال والروايات المغاربية الحديثة منها مشروع عابر الجابري وفاطمة المرنيسي  وروايات أحلام مستغانمي.

وأكدت الأستاذة زهرة الغلبي على أن هناك ندوات أخرى ستعمق روابط البحث العلمي بين البلدين، وزيارات متبادلة من الأساتذة والطلبة لمد جسور التعاون الثقافي والنهوض بالثقافتين العربية والصينية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock