إشارات قوية للخصوم والأصدقاء: الجرأة الملكية نحو لعب دور لحل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي
وهو يستقبله في أكادير يوم 8 ابريل 2002، خاطب الملك محمد السادس، غاضبا، كاتب الدولة في الخارجية الأمريكية، كولن بأول، “لماذا أتيت إلى هنا ولم تذهب إلى القدس؟”
كانت العبارة صادمة لباول، الذي بدأ زيارة للتو في الشرق الأوسط انطلاقا من المغرب، لقد كانت الهجمات الإسرائيلية حينها على الضفة الغربية في أوجها، وكانت القوات الإسرائيلية تحاصر الرئيس ياسر عرفات في مقره رفقة مساعديه، و خلال اللقاء، عبر محمد السادس عن إدانته الشديدة للعدوان الاسرائيلي ودعا كاتب الدولة الامريكي إلى زيارة الرئيس عرفات في مقره، باعتباره المسؤول الوحيد المخول له الحديث باسم الشعب الفلسطيني ، و بالتالي يتحدد عبر اللقاء مصير اللقاءات الأخرى في المنطقة، ودعا الملك الولايات المتحدة الأمريكية إلى تدخل عاجل من أجل أن تنسحب القوات الإسرائيلية فورا من الأراضي المحتلة حسب آخر قرارات مجلس الأمن، حيث كان المغرب عضوا في لجنة متابعة تفعيل المبادرة العربية للسلام, التي تم تبنيها بالإجماع في بيروت .
بتاريخ 05 دجنبر 2019، زار بومبيو وزير الخارجية الامريكي المغرب، وكان مقررا أن يلتقي الملك محمد السادس، إلا أن اللقاء لم يتم وتم استقباله فقط من طرف مسؤولين مغاربة ودون إجراء ندوة صحفية، نظرا لأن بومبيو كان يرغب في أصطحاب نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى المغرب عبر نفس الطائرة، بعد لقائهما في البرتغال يوم 04 دجنبر 2019، لكن الملك محمد السادس رفض استقبال نتانياهو صحبة بومبيو.
لقد كانت المفاوضات مع الإدارة الأمريكية والإسرائيليين تتم بسرية تامة، ولكن المغرب كان غير متسرع في إعلان أي اتفاق، لأنه كان يضع القضية الوطنية والقضية الفلسطينية في كفة واحدة، وكان يشترط أن تتم إعادة العلاقات مع إسرائيل بالحصول على ضمانات حول حل القضية الفلسطينية، في أفق ما يضطلع به من أدوار، تمهيدا لجلوس الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى طاولة المفاوضات.
في 12 دجنبر 2020، تعترف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء ويتم الإعلان عن اتفاق ثلاثي استراتيجي بين المغرب والولايات المتحدة الامريكية واسرائيل، يحسم في مغربية الصحراء ويتضمن التذكير بموقف المملكة المغربية المتوازن والثابت بخصوص القضية الفلسطينية.
عبر حدثين متزامنين يرسل المغرب إشارات قوية للخصوم وللأصدقاء، عن مدى قدرته على التعامل مع جميع أطراف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بنزاهة ومصداقية، في أفق صناعة فرص حل حقيقي وتحقيق سلام دائم.
فبتاريخ 15 يونيو 2021 بعث الملك محمد السادس برقية تهنئة لنفتالي بينيت، وذلك بمناسبة انتخابه رئيسا للوزراء بدولة إسرائيل، وأكد له حرص المملكة المغربية على مواصلة دورها الفاعل ومساعيها الخيرة الرامية إلى إيجاد سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط يضمن لشعوب المنطقة كافة العيش جنبا إلى جنب في أمن واستقرار ووئام.
وفي اليوم الموالي 16 يونيو 2021 استقبل المغرب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على رأس وفد قيادي من الحركة، والذي أشاد بالدور المغربي لنصرة القضية الفلسطينية، أياما فقط بعد توقف الغارات الإسرائيلية على القطاع، أما السلطة الوطنية الفلسطينية برئاسة محمود عباس أدركت أن المغرب بثقله ووضوحه قادر على خلق فرص سلام حقيقية في المنطقة، بعيدا عن كل المزايدات والتوظيف الانتهازي للقضية الفلسطينية.
في كل هذه المحطات، يتبين أن المغرب كان يعتبر القضية الفلسطينية إحدى أولوياته، بل إن جرأة العاهل المغربي في الدفاع عنها أمام القوى العظمى، لم تترك مجالا لمناورة خصوم المغرب، ولا لمن يتاجر ويستغل القضية الفلسطينية قصد إحراج المملكة المغربية، التي تربطها كذلك علاقة وطيدة مع جاليتها اليهودية في جميع أنحاء العالم.
لقد تميزت المواقف المغربية من القضية الفلسطينية بالاستقلالية في القرار بعيدا عن كل الاصطفافات الإقليمية والدولية، كما أن المغرب وهو يترأس لجنة القدس ويساهم ب 87% من مالية بيت مال القدس، يدرك جيدا أن حل النزاع يمر عبر الاتفاق حول وضعية القدس.
في انتظار فتح السفارة الإسرائيلية بالمغرب، تسير الأمور ببطء، ظاهريا، ولكن من المرجح أن خلف الكواليس يرسم المغرب خارطة طريق لحل النزاع في الشرق الاوسط، مع تحقيق جميع الضمانات.
إن المغرب اليوم وهو في طريقه نحو التحول إلى قوة إقليمية وعالمية، له من المؤهلات ما يتيح له قيادة وساطة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي والسهر على توفير جميع الشروط والضمانات الدولية لحل القضية الفلسطينية في إطار حل الدولتين، وأعتقد أنه في القادم من الأيام سيكون المغرب قبلة للقاءات من أجل فض النزاع في الشرق الاوسط.
إن المغرب ربط مصيره بمصير القضية الفلسطينية، بل إن المملكة تدرك أن تنزيل الاتفاق الثلاثي وفق التصور الاستراتيجي للمغرب، وتماشيا مع رهانات التحول إلى قوة اقتصادية عالمية، وتشكيل خارطة تحالفات جديدة، لا يمكن أن يتأتى لها ذلك إلا بحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.