مدارات

أيوب نصر يكتب: ما لم ينتبه له في خطاب حسن نصر

جرى بيني وبين صديق، قبل أيام، نقاش حول مقالي “الانتصارات الوهمية”، فأنكر علي هذا الصديق، تأخري في تسجيل بعض مواقفي في حينها، قائلا، على حسب زعمه وادعائه، أن المواقف يجب أن تسجل في ساعتها، لا بعد انقضاء وزوال أحداثها، وأنا شخص لا يهمه تسجيل موقفه، ولكن الذي يهمني هو أعظم منزلة وأسمى مكانة من مجرد تسجيل الموقف، فالذي يهمني هو أن يكون موقفي صحيحا، ولهذا لا أتكلم ساعة الحدث، بل أرجئ كلامي، غالبا، إلى حين اتضاح الصورة، وتوافر المعلومات، وتواتر الأخبار، ثم بعد هذا أنظر في كل هذا نظرة الباحث والناقد، وهذا يرجع عندي إلى علتين، فأما الأولى فلأنني لا أخدم أي جهة، ولا أخضع لأحد، وإنما أخضع وأستكين وأذل، للحق الذي أومن به، فلا أسارع إلى اتخاذ المواقف حسب ما يملى علي، وأما العلة الثانية التي لأجلها لا أتسرع في إطلاق اللسانيين، لساني وقلمي، هو أنني رجل يعطي للكلمة حقها، ويعرف لها قيمتها، وينزلها منزلتها العالية، ولا أستهين بها ولا بحقها علي حتى أسارع لإطلاقها من غير بينة ولا اقتضاء.

وهذه القيمة التي أحملها في نفسي للكلمة، تجعلني أدقق في الكلام كثيرا، وأذهب في تقصيه كل مذهب، وأقلبه على كل وجه يحتمله، وهذا منهج علماء الاصطلاح، وهو منهج نذرت نفسي للدفاع عنه، و الدب عن حياضه في ميادين الغواية ومآزق الضلال، وذلك أنني تتبعت المستشرقين وكتاباتهم، والطابور الخامس من أذنابهم، فانتهى بي هذا التتبع الطويل المضني المتعب، إلى أن سهامهم موجه إليه، ولهذا أقول دائما: “إن الصراع صراع مناهج”.

ودعني أضرب لك مثلا من عدم تسرعي، وباتباع منهجي، وهو أنه حين خرج حسن نصر يهدد اللبنانيين، ويقول: “بس حزب الله ، عم بحكيك بس بالرجال عم بحكيك بس باللبنانيين”، وقد تتبعت كلام كل من أدلى بتحليله لهذا الكلام، ساعتها، كلهم تكلموا فقط على قوله: “100 ألف”، ولم يلتفت أحد منهم إلى لفظ “بس”، والذي إذا نظرنا إلى مفهومه، وفق ما تقتضيه دلالة المخالفة، لخلصنا إلى أمر مهم وخطير، وهو أن للحزب رجالا من غير اللبنانيين، ورجالا من غير رجال الحزب، فمن أين له بهؤلاء الرجال، الذين هم من غير التابعين للحزب ومن غير اللبنانيين؟؟ وهل مرتزقة البوليزاريو منهم؟؟ وهل منهم المرتزقة التي توجد في ليبيا؟؟ إذا لم يكونوا من هؤلاء فأين هم إذن؟؟ إن هذه الكلمة التي نطق بها حسن نصر، ورددها أكثر من مرة في بضع ثوان، لم تأت هكذا، وليس فيها شيء يدل على سبق اللسان، أو أنها فضول من الكلام، وإنما هي كلمة تحمل في ثناياها شيئا من نفس قائلها، مثلها في ذلك مثل أي كلام يبين به صاحبه عن نفسه وخوالج قلبه، أو يبين به عن غيره، فإن فيه شيئا من ذات قائله، وأثرا يستدل به عليه.

كاتب مغربي/ باحث في العقائد، والمدارس الفكرية، والاستشراق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock