أيها المناهضون للتطبيع سفارة تركيا أمامكم…!
نقلت عدة قنوات ومواقع إلكترونية أجواء وصول الرئيس الإسرائيلي هرتسوج إلى العاصمة التركية أنقرة،على متن طائرة كُتبت عليها كلمات “سلام” و”مستقبل” و”شراكة”.
وخص الرئيس التركي المناصر والمحتضن لشيوخ ومنظري التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، نظيره الإسرائيلي باستقبال رسمي في ساحة المجمع الرئاسي، حيث تم عزف النشيدين الوطنيين، وأطلقت المدفعية 21 طلقة ترحيبا بالضيف.
وعكست كلمتا الرئيسين الأهمية الكبرى لهذه الزيارة التي اعتبرها هرتسوغ “لحظة مهمة في العلاقات بين بلدينا وأشعر أنه من دواعي الفخر لكلينا أن نرسي الأسس لعلاقات ودية بين دولتينا وشعبينا وبناء جسور حيوية لكلا الطرفين”، فيما أكد أردوغان “أن هذه الزيارة التاريخية ستكون نقطة تحول بين تركيا ودولة إسرائيل. إن تعزيز العلاقات مع دولة إسرائيل له قيمة بالغة بالنسبة لدولتنا”.
إلى الآن، الأمور عادية بالمعيار الدبلوماسي في العلاقات الدولية.
لكن ما ليس عاديا هو ابتلاع مناهضي التطبيع ألسنتهم وصمت هيئاتهم ومواقعهم الإلكترونية الرسمية عن “التنديد” و”الإدانة” والدعوة إلى الاحتجاج والتظاهر ضد الزيارة الرسمية والعلنية لرئيس إسرائيل لدولة مسلمة عضو في “منظمة التعاون الإسلامي” بدعوة من أردوغان، رئيس تركيا الذي قال لقناة إسرائيلية عقب انتهاء أزمة باخرة “مرمرة” إن “إسرائيل هي وطنه الثاني”.
فالزيارة لم تكن سرية، وإنما سبق لإردوغان أن أعلن، في يناير الماضي، أنه وجه دعوة رسمية لنظيره الإسرائيلي “لإجراء محادثات واستكشاف سبل تعميق التعاون” بين البلدين.
طبعا، من حق أية دولة أن تكون لها علاقات دبلوماسية مع غيرها من الدول، كما من واجبها أن تجعل مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
إلا أن زيارة الرئيس الإسرائيلي لتركيا يوم 9 مارس 2022، لم تترك أي صدى لدى مناهضي التطبيع في المغرب الذين لم يكفّوا عن التنديد به والدعوة إلى إسقاطه.
ففي بلاغ لحركة التوحيد والإصلاح عقب قرار استئناف المغرب لعلاقته مع إسرائيل نقرأ “تأكيدَ موقف الحركة الرافض والمستنكر لكل محاولات التطبيع والاختراق الصهيوني، واعتبارَ المكتب التنفيذي ما أقدم عليه المغرب، الذي يرأس لجنة القدس الشريف، مِن تدابيرَ مشارٍ إليها أعلاه، تَطوراً مؤسفاً وخطوةً مرفوضةً”.
بينما ذهبت جماعة العدل والإحسان إلى “إدانتنا إدانة شديدة قرار التطبيع الذي اتخذته السلطة المغربية مع الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين.”
أما “مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين”، فقد سجلت “بكل غضب هذه السقطة الكبرى في وحل التطبيع مجددا بعد عقود عجاف من مسلسل الهرولة تحت عنوان السلام الذي آل إلى محطة الخزي في صفقة القرن ومحاولة الإجهاز على قضية فلسطين.”
وسارت الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة على نفس النهج ، حيث عبرت عن “الإدانة والشجب والاستنكار لهذه الخطوة الانفرادية غير محسوبة العواقب، والتي ستنعكس سلبا على القضية الفلسطينية، وستكلف المغرب غاليا من تاريخه واستقراره ومستقبله وعلاقاته الإقليمية.”
كل هذه الهيئات والتنظيمات التي استنكرت وأدانت قرار استئناف المغرب لعلاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل خدمة لمصالحه العليا، بينما لم يصدر عنها أدنى بيان استنكاري يشجب زيارة هرتسوج لتركيا وينبّه إلى مركزية القضية الفلسطينية ومسؤولية الدفاع عنها.
وإذا كانت تركيا تراعي مصالحها في علاقاتها الدولية ، فمن حق المغرب أن يركز كل جهوده خدمة لمصالحه العليا، خصوصا بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية.
وليس من تفسير لهذا التناقض سوى كون التنظيمات إياها لم تجعل قضية الوحدة الترابية للمغرب قضيتها المركزية، بدليل إن قياداتها ورموزها قعدوا عن المشاركة في المسيرة الخضراء، بينما انخرطوا بكل حماس في التجييش “للجهاد” في أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي خدمة للمصالح الأمريكية.
بل إن الأمين العام للبيجيدي، عبد الإله بنكيران، سبق وصرح أنه حاول الالتحاق “بالمجاهدين الأفغان”. فكل هذه التنظيمات تنكّرت لقضية الشعب المغربي الأولى التي يضحي من أجلها على مدى خمسة عقود، وتستكثر على المغرب إعادة بناء تحالفاته الدولية وفق ما تمليه مصالحه العليا ويقطع دابر الابتزاز الذي مارسه عليه الاتحاد الأوربي طيلة العقود الخمسة بتواطؤ مع النظام الجزائري.
ولا شك أن مناهضة التطبيع مع إسرائيل من طرف هذه التنظيمات، ليست مبدئية وثابتة بحيث لا تتغير بتغير الأحوال واختلاف الدول، بقدر ما هي إيديولوجية/سياسية تخدم استراتيجيات تلك التنظيمات.
ولعل فتوى ما يسمى “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” الذي تتحكم فيه “جماعة الإخوان المسلمين” ويدين بالولاء لتركيا أردوغان، تجسد المتاجرة بالقضية الفلسطينية ، كما تكشف عن نفاق هذه التنظيمات وكيلها بالمكاييل تبعا لمصالحها لا مصالح الشعوب والأوطان.
ففي نونبر 2021، أصدر الاتحاد إياه الذي يرأسه أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، فتوى يشدد فيها على تحريم التطبيع كالتالي “يؤكد الاتحاد على أن ما تقدم عليه بعض الدول مثل الإمارات والمغرب من الانغماس في التحالفات والخطوات العملية مع الكيان الصهيوني المحتل عمل مدان ومحرم شرعا وخيانة للعهد العمري، والصلاحي، ولحقوق الشعب الفلسطيني.”
وها هو الاتحاد نفسه لم يجرؤ على استنكار زيارة الرئيس الإسرائيلي لتركيا أو التنديد بها فأحرى تحريمها . ومن نفاق هذا الاتحاد أنه جعل التطبيع حراما على المغرب والدول العربية ، بينما أحلّه للرئيس التركي ولي نعمته . فبسبب التعاطي الإيديولوجي مع القضية الفلسطينية، صار التطبيع العربي، عند الاتحاد وبقية التنظيمات، “يخذل” القضية الفلسطينية بينما التطبيع التركي “يخدمها.”
علما أن تقرير الأمم المتحدة لسنة 2016، حول الدعم والمنح التي تقدمها الدول لفائدة منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا)، لم يشر إطلاقا إلى تركيا.
أما المملكة المغربية ، فتبقى، بحسب تقرير وكالة بيت المقدس لسنة 2021، من بين جميع الدول الإسلامية المنضوية تحت لواء “منظمة التعاون الإسلامي”، صاحبة النصيب الأكبر في تمويل الوكالة بنسبة 87 في المائة من مساهمات الدول. معطيات وحقائق يتجاهلها مناهضو التطبيع، ليس خدمة للقضية الفلسطينية ، ولكن تصفية لحساباتهم مع الأنظمة السياسية التي لا تخدم أجنداتهم.
لهذا لن تصدر عن قياداتها أية دعوة إلى الاحتجاج أمام السفارة التركية، وهو أضعف الإيمان، تنديدا واستنكارا لزيارة رئيس إسرائيل لعاصمة تركيا .