سياسية

أمن واستقرار أوروبا مرتبط بالمغرب كقوة إقليمية الأولى مغاربيا

يرى العديد من المحللين أن الحرب بين أوكرانيا وروسيا، “أعادت إحياء الحلف الأطلسي” من خلال إعادتها عدوا محددا على أعتاب حدودها. الأمر الذي دفع حتى ببعض قادة أوروبا للحديث باستخفاف عن “الموت السريري” لهذا الحلف اليوم! وسواء أحببنا ذلك أم أبينا، فإن الدفاع عن أوروبا سيبقى في يد حلف الناتو لعقود على أقل تقدير.

لقد خلق الوضع الذي فرضه فلاديمير بوتين على العالم، دعوة للتفكير في الأهمية المعطاة لأنظمة التحالف في العالم بشكل أكثر شمولية. وبالفعل، فإن التعددية القطبية، التي تبجح بها البعض كثيرا في السنوات الأخيرة، اضحت اضطرابا حقيقيا وتشرذما للعالم، على خلفية المواجهة بين الكتل. إذا كانت، بالفعل، “حرب باردة” جديدة تتشكل في القتال في ماريوبول وخاركيف وكيف، فسيتم دعوة جميع الدول لاختيار صفهم، وستصبح أنظمة التحالف حاسمة مرة أخرى.

فعليه، فإن الموقف الصيني في الصراع الأوكراني يحتم علينا أن نفكر في الامر مليا. فأولئك الذين يسمونها مواقف “غامضة” أو “انتظارية” مخطئون. إذ أصبح حليت للعالم أن الصين تواصل إعادة تأكيد دعمها لروسيا، وقبل كل شيء، تشاركها في الخطة الجيوسياسية لظهور عالم ما بعد الغرب. ثم إن بكين تعمل، أكثر من موسكو، على البناء الصًبُور لشبكة من الترابطات الجيوسياسية والسياسية والاقتصادية التي يمكن أن تحمل بذور نظام تحالف مستقبلي.

وكأن بكين تعيد بعث طريق الحرير الشهيرة، بعملها الخفي والمعلن، والدؤوب لبناء نظام بديل للمعايير، زد على ذلك، نشاطها في المنظمات الدولية (بدءا بمنظمة الصحة العالمية)، ونظام الدفع بين البنوك CIPS، ووجودها في جميع أنحاء العالم (بما في ذلك أوروبا) وفي آسيا ببنك الاستثمار في البنية التحتية (AIIB)، وما إلى ذلك، كلها أجزاء من اللغز الذي أصبح عنوانه الهيمنة الصينية.

وكيفما كان الحال، فما تشهده أوروبا في هذه الأسابيع، يأكد أن مسألة التحالفات بالنسبة للغربيين بشكل خاص، ومسألة الناتو بشكل خاص، يحتم معالجة ومقاربة أخرى، تنطلق من المحيطين الهندي والهادئ مرورا بالشرق الأوسط، عبر البحر الأبيض المتوسط ​​ووصولا إلى أفريقيا، يحتاج فيها الغرب إلى تحالفات، وتحالفات جديدة يبنيها، وتحالفات قائمة ينبغي تعزيزها.

في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، هناك تحالف رباعي، وهو يضم أربع دول، (اليابان، والولايات المتحدة، وأستراليا والهند)، هذا التحالف، أصبح له دور رئيسي في مواجهة الصين، والذي تعمل فرنسا كل ما في وسعها للاقتراب منه، خاصة بعد فضيحة “الغواصات الأسترالية”. أما في الشرق الأوسط، فقد تم توقيع اتفاقيات في شتنبر 2020 بين إسرائيل والبحرين والإمارات العربية المتحدة والتي تم تمديدها بالإعلان في دجنبر من نفس العام عن اتفاقية التطبيع الدبلوماسي بين إسرائيل والمغرب. هي فعلا، ديناميكية هشة، ولكنها ثمينة في مواجهة الأممية الشيعية الممتدة من إيران إلى لبنان، حتى الجزائر.

وفي الجهة الجنوبية من أوروبا، تفتح عدة أقواس من أزمات تنذر بالخطر، في شرق البحر الأبيض المتوسط، ولكن هناك خطر إيضافي يتمثل في تأثيرات التنافس على الهيمنة على البحر الأسود. ولكن، الآن بعد أن كشفت روسيا أوراقها، يجب أن يكون موقف تركيا دور المراقب عن كثب.

أما في المنطقة المغاربية، فقد أصبحت ليبيا خلفية روسية تركية على أبواب أوروبا، بينما تغرق تونس في أزمة سياسية. أما بالنسبة للجزائر، فإن الجمود لا يخفي تقادم وهشاشة وفساد النظام العسكري الحاكم. وإلى أقصى الجنوب، فإن منطقة الساحل والصحراء في طريقها إلى أن تصبح ثقبا أسودا جيوسياسيا، ومنطقة محفوفة بالمخاطر، حيث لا يوجد حل سياسي، محلي أو إقليمي، يظهر في مواجهة الإرهاب الإسلامي والتحلل السياسي.

وفي هذا الجنوب الغامض، هناك دولة واحدة فقط، هي المغرب التي لها من المقومات ما يجعل الغرب يحسب لها ألف حساب، لتعزيز التحالف معها. وهو الذي تفطنت له إسبانيا على ما يبدو وقرأته بشكل صحيح هذه المرة. لقد اتخذت مدريد للتو موقفا استراتيجيًا هاما وتاريخيا ،بالاعتراف بالخطة المغربية للحكم الذاتي للصحراء المغربية باعتبارها “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل النزاع المفتعل” بين الرباط والجزائر منذ عام 1976. ورغبة منها لوضع حد للأزمة التي اندلعت بين البلدين منذ أبريل 2021، تنضم إسبانيا المستعمر السابق، إلى فرنسا وألمانيا في معسكر دعم الحل المغربي.

هذا القرار، الذي اثار ولا زال يثير غضب الجزائر بالفعل، كشف بالملموس وبأكثر واقعية الطريق التي تتبعها أوروبا في المغرب العربي. واعتبارا منها أن المغرب هو البلد الوحيد المستقر سياسيا في المنطقة، استقرار مثبت (ثلاث انتخابات تشريعية وتناوبين منذ 2011، عام الربيع العربي)، وتطور اقتصادي مثير للإعجاب. وترويج المغرب لـ “إسلام الوسط”، يبرز في عالم إسلامي مبتلي بإسلام سياسي والإسلاموية.

ويساهم هذا الاستقرار الداخلي للمغرب في الاستقرار الجيوسياسي الذي يعد آخر جوانب القوة المتوازنة التي تسعى الدولة المغربية لتحقيقها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock