كرونيك

… أما المغاربة فلا يثقون في الصور

في مكان هادئ على جنب نهر أبي رقراق، تنتصب، بكل خجل، بناية إسمنتية تزداد طولا كل يوم.

لن يتوقف نموها إلا ببلوغها خمسين طابقا.

المارون بين الرباط وسلا لا يبدون اهتماما كبيرا بورش بناء هذه الزرافة الإسمنتية، فمعالمها لم تكتمل بعد لتسر الناظرين، وتجلب اهتمامهم.

أصحاب المشروع استبقوا أمر الإعجاب المنتظر، وزينوا المكان بصورة مستقبلية لما ستكون عليه البناية عند اكتمالها.

أما المغاربة فلا يثقون في الصور. فهم يعرفون منذ زمان، أن مشاريع عديدة تبدو غاية في الإتقان في ألبومات الباعة والمسوقين، وتتحول إلى مسوخ عجيبة ومشوهة في الواقع.

في بداية القرن الواحد والعشرين، ظهرت معالم ورش كبير بالمغرب.

ورش بناء من نوع مميز، واستبشر الناس بقرب ميلاد مدرسة عمومية تنقل الوطن من الجهل والأمية إلى مصاف دول مثل اليابان وكوريا أو سنغافورة.

هذه دول راهنت على بناء المدرسة، ونجحت.

استطاعت المدرسة الجيدة أن تغير هذه الشعوب. فصارت مدنها وأبراجها وبناياتها واقتصادها، وكل شيء فيها مضرب الأمثال في التقدم والرقي.

الورش الموعود قدم ميثاقا اسمه الميثاق الوطني، وقدم وعودا كثيرة.

بعد سنين تبخر الميثاق، وبقيت الوعود.

قام أصحاب العقد والحل بصياغة مخطط جديد، قيل أنه استعجالي، ثم آخر قيل إنه استراتيجي، وفي كل مرة، يمطرون الدنيا بالوعود.

أصحاب البرج الكبير على النهر، يطمحون أن تراه الأعين من على بعد خمسين كيلومترا.

قد أصدقهم.

على الأقل، بين ما ينشرون من صور، وما يعدون به، تقف آلات البناء وتستمر الرافعات في العمل كل يوم.

الوعد المقرون بالعمل قابل للتصديق.

حبل الكذب والخداع قصير، خصوصا حين يقترن برغبة في كسب الزمن السياسي، لا غير.

بينما ترتفع مشاريع الرباط مدينة الأنوار يوما بعد يوم، تتفكك المدرسة العمومية بفعل إهمال المشتغلين بها وتجاهل صيحاتهم المتكررة.

وقد يحدث أن تسقط فعلا بناياتها المتهالكة، واقعا لا مجازا، على رأس مدرس مسكين فترسله الى العالم الآخر دون سابق إنذار، كما حدث هذه الأيام بمكناس.

الأنوار الحقيقية تشع من المدارس والجامعات، أما الإسمنت الذي يرى من بعد أميال فسيظل طول الوقت اسمنتا لا يقدم ولا يؤخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock