ألا في الفتنة سقطوا
تتناقل عدة مواقع الكترونية بيان “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” الصادر عن المؤتمر الذي انعقد في فبراير 2021 حول “موقف الأمة الإسلامية من الديانة الإبراهيمية” شارك فيه “علماء” 18 دولة. وقد اختار الداعون إلى هذا المؤتمر والمشاركون فيه التدليس على الشعوب الإسلامية ليسهل عليهم إشعال نار الفتنة بين فئاتها، وبينها وبين حكامها. وأولى أسس التدليس ادعاؤهم تواطؤ اليهود والمسيحيين والأنظمة السياسية العربية التي أقامت علاقات مع إسرائيل على خلق ديانة جديدة تحت اسم “الإبراهيمية.”
هكذا، حوّل هؤلاء “العلماء” المفترون اتفاقية أبراهام بين إسرائيل وعدد من الدول العربية بإشراف أمريكي، إلى “ديانة” جديدة هي “الديانة الإبراهيمية.” هؤلاء “العلماء” لم تنصّبهم الشعوب العربية/الإسلامية لتمثيلها ولا انتدبتهم للدفاع عن قضايا أو النطق باسمها. بل هم من نصّبوا أنفسهم كذلك وشكلوا هيئات مختلفة تجسد اختلاف رؤى ومواقف وحسابات وأجندات الجهات التي توظّف هؤلاء (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورابطة علماء المسلمين ورابطة المغرب العربي).
لقد تعمّد هؤلاء العلماء الافتراء وسعوا إلى إشعال نار الفتنة بزعمهم هذا وهم يعلمون جيدا أن الأمر يتعلق باتفاقية السلام واستئناف العلاقات بين دول عربية وإسرائيل وليس وضع أسس لديانة جديدة. ورغم التحريض ضد الحكام الذي ملأ بيانهم، فقد تفطنت الشعوب المسلمة إلى تدليس هذه الهيئات عملا بقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).
ومن المفارقات التي سقط فيها بيان العلماء: إعلانهم (إن علماء المسلمين مع التعاون الإنسانـي والتعايش القائم على الحرية والعدل وعدم ازدراء الأديان أو الأنبياء ومع الحوار الإنساني لبناء المجتمعات)، وفي نفس الوقت تشديد المتدخلين في المؤتمر على أن معاداة اليهود والمسيحيين عقيدة إسلامية ثابتة، كما جاء على لسان سليمان الندوي من الهند (ولا شك أن الصهاينة والصليبيين، اليهود والمسيحيين، أُمرْنا بلعنهم، أمرنا بالبُعد عنهم.. هؤلاء القردة والخنازين مُسخوا من عند الله تعالى.
ولا شك أن كل شيء يأتي من عندهم مرفوض مردود لا يمكن أن يقبله أي مسلم ثم الحكام المسلمون الذين يشاركون في هذه الديانة المدسوسة… التي سموها بالديانة الإبراهيمية.. ونحن نكفر بكم أيها الحكام والأمراء وأيها العلماء، علماء السوء وعلماء البلاط. أيها النصارى واليهود كفرنا بكم وبدا بيننا العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ). فكيف لهؤلاء العلماء أن يسعوا إلى “التعاون الإنسانـي والتعايش القائم على الحرية والعدل وعدم ازدراء الأديان” وهم يزدرون الأديان ويسبّون أتباعها من اليهود والمسيحيين. أكيد أنهم لا يريدون للصراع أن ينتهي ولا للسلم أن يسود في بلاد المسلمين . فالبيانات الصادرة عن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بخصوص جرائم التنظيمات الإرهابية تؤكد متاجرة هؤلاء بمآسي الشعوب عبر الدعم الخفي والعلني لهذه التنظيمات المتطرفة.
ففي بيان لرئيس الاتحاد السابق، يوسف القرضاوي، جاء التعبير عن “الفرح ” و”الترحيب” بسيطرة داعش على الموصل في العراق وما رافقه من تقتيل وتدمير، قائلا إنه “تابع التصريحات الصادرة عن تنظيم ما يسمى بـ”الدولة الإسلامية” والتي انطلقت من العراق، مع القوى العراقية الأخرى، مدافعين عن سنّة العراق، وعن المستضعفين في هذا البلد، ففرحنا بهم ورحبنا بهذا الاحتشاد لرفض الظلم والتجبر في الأرض.”
لم ير القرضاوي وخلفه أعضاء الاتحاد فيما ارتكبه داعش من مجازر همجية تستوجب تكثيف الجهود الحربية دوليا ضد التنظيم لتحرير العراقيين والسوريين من قبضة الإرهاب، بل ظل يرى في جرائمه أنها “ثورة” ويدعو إلى الانخراط فيها ودعمها، بحيث جاء في إحدى بياناته التي وقّعها (يوسف القرضاوي) “إن ما يحدث من انهيار شامل ٍلقوى العسكر والأمن والشرطة في العراق لم يأت من فراغ، ولا يمكن أن يفسر إلا على أنه جاء بسبب ثورة ٍشعبية.” ولم يتصدّ للاتحاد سوى رئيس جماعة علماء العراق الشيخ خالد الملا الذي رد على البيان بالقول “إن اعتبار ما جرى ثورة شعبية أمر مغاير للحقيقة” و”دماؤنا تنزف شيعة وسنة لأجل العراق والشعب العراقي.”
طبيعي أن يفرح أعضاء الاتحاد بالجرائم التي ارتكبها داعش في سوريا والعراق، فهي بالنسبة إليهم “دفاع عن أهل السنة”، لأن حسب بيان العلماء (ما يجري في أرض الشام من عدوان سافر من النظام الإيراني وحزب الله وحلفائهم الطائفيين على أهلنا في سوريا، يُعد حربا معلنة على الإسلام والمسلمين عامة.”
ومن ثم، فإن اتحاد العلماء لا يرى في تقتيل شيعة العراق من طرف التنظيمات الإرهابية جرائم نكراء، بقدر ما يرى فيها “دفاعا” عن أهل السنة ومواجهة لجيش النظام السوري الذي سبق للاتحاد أن أعلن “النفرة والجهاد لنصرة إخواننا في سوريا بالنفس والمال والسلاح وكل أنواع الجهاد والنصرة” في مؤتمره الطارئ بمصر برعاية مرسي، كما أفتى بوجوب التحاق شباب المسلمين بالجبهة السورية لقتال نظام بشار وإسقاطه.
لم يستنكر، إذن، “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” جرائم داعش، بل لم يصفها بالجرائم التخريبية الخطيرة، المحرمة في جميع الشرائع السماوية والقوانين الدولية إلا في سبتمبر 2021 حين استهدف داعش مطار كابول بعد سيطرة طالبان على العاصمة ودخول مقاتليها القصر الرئاسي، حيث صدر بيان اعتبر “هذه الجرائم الأخيرة في أفغانستان، وفي ظل الإمارة التي تسعى بكل جهدها لتطبيق الشريعة الإسلامية دليل آخر على أن تنظيم الدولة، والقاعدة، ونحوها ليس له علاقة بالإسلام، ومبادئه، وإلا فكيف يقتل التنظيم المسلمين وغيرهم بغير حق؟ وكيف يفجرهم في أفغانستان المسلمة التي انتصرت على قوى الطغيان، وطهرت البلاد من الاحتلال الأمريكي وغيره؟”. لقد خرج الاتحاد عن أهداف توحيد الأمة ليتحول إلى مصدر فتنتها بالتحريض على قتال الأنظمة الحاكمة وتكفيرها ومعاداة أهل الديانات السماوية وازدراء عقائدهم ، فصدق فيه قوله تعالى (ألا في الفتنة سقطوا) التوبة: 49.