كرونيك

 أشياء صغيرة تصنع الحرية

تعبث أحلام الخروج بعقلي.

تتقمص دور غادة فاتنة.

تراودني بمكر نسائي مدروس؛ تجاهل لذيذ ونظرات خاطفة مقسمة وعادلة،  بيني وغريمي المواطن المنضبط.

لا أخفيكم سرا، أنا أكره الحجر والقيد، وأنا كذلك أمقت من يخرق القانون.

هكذا، صرت واحدا فيه اثنان أو اثنان في واحد. كما في مديح غاسول الشعر الشهير.

وبالمناسبة، حلقت شعر رأسي كاملا عند بداية هذا الحصار المستجد.

فقد ضبطه يميل يمينا مرة ويسارا مرات أخرى، في حركة تحرض على الحيرة والتذبذب.

فالمرحلة حاسمة، على حد قول محترفي خطابة الإقناع الرخيصة في السياسة؛ وتقتضي قبولا غير مشروط بإملاءات الوضع.

خليط من أصوات متمردة غير مكترثة بالحجر الليلي وهدير محركات السيارات وصوت صفارة شرطة يشبه مواء قطة تائهة، يتسلل بدهاء إلى مخبأ المحجمين عن الخروج بعد وجبة دسمة ومخدرة.

تنتشر الأصوات  كعطر رخيص،  تغزو الفضاء بلا استئذان. تعزف لحنا يزعزع ايمان المسجونين عن طوع.

اقترب من النافذة.

أخري المتمرد يصهل كجواد على وشك مغادرة مربطه نحو حقول الاقحوان الاصفر وشقائق النعمان الاحمر المتراقصة بغنج مع نسمة الربيع.

ينظر نحو الشارع بلهفة طفل يستعجل يوم العيد.

يكرر بلا توقف حاجته للحرية، ولا شيء غيرها.

أشرح له خطورة مطامحه، أتوقف طويلا عند فزاعة الموت الهندي الرهيبة. استظهر له أرقاما حفظتها عن ظهر خوف من نشرات الأخبار.

يفاجؤني بأسئلة الحرية والموت.

الاختيار والقدر.

اكتشف أن ابن الكلب قد شحذ أسلحة الإقناع ببراعة.

يكاد يصيبني في مقتل، فأعلن ردة بلا رجعة عن قناعة المواطن الطيع والمطيع.

أتراجع عن مناورة المحاججة. أستجدي قريني المشاكس أن يصبر على البلاء الاصغر درء للبلاء الأكبر، بتعبير فقهاء الدين.

أنا الذي طالما أبهرتني الطيور التي تفضل الموت على البقاء في قفص فيه كل ما تشتهيه من طعام وماء، بل وحتى رفيقة حسناء تؤنس وحدتهم.

طيور مارقة لا تساوي قرشا في سوق نخاسة الحيوانات المنزلية المدجنة، لأنها لم تقبل يوما أن تغرد من وراء القضبان، أو تحت الطلب. طيور اختارت غصنا معلقا بين أوراق الشجر  ولحن الحرية، دونا عن مغريات المال والجاه وما شابه.

والطيور أشكال، كما لا يخفى على حاذق فهيم.

أشياء صغيرة تصنع الحرية.

قهوة باذخة تتراقص تحت  رائحة البن ،على رصيف يرتاح له القلب، ثم جولة في ارجاء المدينة تنتهي بلقاء اصدقاء يتسكعون بكل جدية.

احاديث لا تنتهي و مواعيد متجددة.

اجنحة نورس تنساب فوق هواء البحر كسمفونية عذبة.

على النقيض تماما،ترسانةحواجز الشرطة و من في حكمها قد قطعت اوصال المدينة اشلاء صغيرة كخنجر غدر ينفذ ثارا قديما،ترسم صورة متاهة صممها مينوتور يوناني غاضب.

الآخر المتمرد يصرخ ليل نهار.يحن لجولة تحت جنح الظلام برفقة موسيقى جاز دون وجهة او هدف.

اطلق قيدي.يدندن المغني بصوت عميق و شجي ، فيما السيارة تجول كمركب  محتار بين شطين.

اقفل النافذة بهدوء و احتمي بديوان شعر قديم و بقايا قهوة منزلية .

يهمس لي ابو تمام،

وما من شدة إلا سيأتي ** لها من بعد شدتها رخاء.

ارسل تحية إكبار لكل المرابطين داخل البيوت من اجل هزم هذا العدو المتربص الذي يرفض الرحيل مثل ضيف سمج و ثقيل.

و ابشركم بعد عناءكم الطويل :

غدا سيكون اجمل لا محالة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock