أحزاب تأكل مع الذئب وتبكي مع الراعي
ولا الحَياءُ لَعادَني اِستِعبارُ وَلَزُرتُ قَبرَكِ وَالحَبيبُ يُزارُ
وَلَقَد نَظَرتُ وَما تَمَتُّعُ نَظرَةٍ في اللَحدِ حَيثُ تَمَكَّنَ المِحفارُ
هكذا أنشد الشاعر جرير في رثاء زوجته.
ولا شك أن أبيات الشاعر تحمل من قوة الكلمات وصدق التعبير ما يجعل منها قولا صادقا وجميلا.
الحاجة للرثاء هي لصيقة بالحزن وبالفقد.
الرثاء مهما كان بليغا ومؤثرا لن يبعث الراحلين من عالم الأموات إلى عالم الأحياء مرة أخرى.
هو اعتراف وإذعان بلا شروط أمام سلطة القضاء والقدر.
في يوم من الأيام، كانت أحزاب اليسار.
في يوم من الأيام، كان إعلام اليسار.
ثم جاء من جاء.
وانسحب من انسحب، بهدوء أحيانا وبكثير من الهرج والمرج أحيانا أخرى.
كانت المقرات متواضعة والهامات كبيرة ومبهرة.
أصبحت المقرات فخمة، والأحزاب متواضعة وتابعة.
انتهت السياسة وحضرت الانتهازية والشعبوية.
يوم صرح زعيم من المعارضة، بمناسبة ظهور إعلامي، أن الحكومة هي حكومة صاحب الجلالة وأن المعارضة كذلك هي معارضة صاحب الجلالة، أقر ضمنا ودون خجل، أن السياسة انتهت وتحول الجميع إلى منفذ للتعليمات، لا غير.
زعيم أخر، يشهر بين الناس أنه شيوعي، صرح أنه ينتظر الانتخابات ليتخلص من الحكومة، هو الذي عمر فيها طويلا بعدما لوى عنق حزبه ليحشره بين الإسلاميين والتقنوقراط.
حتى اليسار الآخر، المفعم بمبادئ الديموقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية، مشغول بطرد نائبه البرلماني المشاكس، والدفاع عن الحزب من زلات لسان سيدته الأولى.
متى يعلنون وفاة اليسار؟
أم أنهم فعلوا ولم نصدق.
من مات مع اليسار ومع اليمين والوسط مجتمعين، هو السياسة.
أحزاب تأكل مع الذئب وتبكي مع الراعي.
فليكن نعيا صادقا للمرحلة، بيسارها ويمينها وشتاتها وما خلفت من شرخ في صورة السياسي وصورة الأحزاب.
ليس غريبا ان يصادف المتجول بين صفحات التواصل، حيث رأي الناس بلا مساحيق تجميل، السخرية ثم السخرية من عالم السياسة ومن قادته اجمعين.
انتهت ولاية تشريعية كما النار فوق خشب أخضر ومبلل، لا هي أضاءت ولا هي كفت عن نفث دخان خانق وحاجب للرؤية.
اختلطت الأغلبية بالمعارضة واستنفذ الجهد في نقاش التعويضات والتعيينات واحتضرت السياسة النافعة، لتموت أخيرا.
يحتاج مهندسو النموذج التنموي الجديد لرفش وحجارة صلبة لدفن ما ترسخ من ممارسات سياسوية أساءت للوطن وللمواطنين قبل تنزيل القادم من مشاريع.
وإلا فلن يبقى غير الرثاء الصادق لمن سبقوا والدعاء بالرحمة وجنات النعيم لليسار واليمين على حد سواء.