مدارات

أتيتيش يطلب الحماية من الدولة التي تناهضها جماعته

أمر عجيب وغريب أن تظل الجماعة تستهدف الدولة المغربية في شرعيتها، وفي مؤسساتها، وفي نظامها السياسي، وفي دستورها وقوانينها؛ بل تسمح لنفسها الإعلان عن إعداد الأتباع وتربيتهم "ليوم الزحف" على السلطة وتدمير أركان الدولة بغرض إقامة "دولة القرآن"، وحين احتجاز عضوها بمطار تركيا تستنجد بما تنكر شرعيته.

سعيد الكحل

تفاجأت جماعة العدل والإحسان بمنع واحتجاز أحد أعضائها البارزين رفقة أسرته في مطار أنطاليا بتركيا يوم 15 غشت 2023، ليستمر الاحتجاز أياما أخر دون أن تعلن الجماعة عن موعد رجوعه إلى المغرب، ويتعلق الأمر بالدكتور أتيتيش. فالجماعة، كما باقي تنظيمات الإسلام السياسي، تعتبر تركيا مجال تحركها الإيديولوجي بحكم الانتماء إلى نفس التيار الإخواني الذي ينتمي إليه الرئيس أردوغان.

لهذا، لم تكن الجماعة تتوقع أو حتى تفترض أن يصدر ذات القرار من السلطات التركية “الحليفة”. الأمر الذي جعل محمد حمداوي، مسؤول مكتب العلاقات الخارجية لجماعة العدل والإحسان، يتساءل بمرارة: “أين الأخوة الإسلامية في هذا التعامل؟! بل أين الحس الآدمي في هذا التعامل؟! وأين التغني بالديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام المواثيق الدولية. وأين.. وأين!!”.

يظهر أن الجماعة تجعل الإيديولوجيا والعقيدة تسمو على القوانين الوطنية التركية وكل مؤسساتها الدستورية. فهي تنطلق من ضرورة اعتماد معيار الانتماء الإيديولوجي لتيار الإسلام السياسي في التمييز بين زوار تركيا أو الوافدين عليها من أجل السياحة حتى يحظى أعضاؤها بمعاملة استثنائية وإجراءات تفضيلية تسمح لهم بولوج ترابها بكل سلالة ودون مراقبة أمنية. إذ يكفي الانتماء للجماعة لتشرع أبواب المطارات التركية في وجه الأعضاء؛ الأمر الذي يخالف كل الإجراءات المعمول بها في جميع المطارات الدولية باستثناء الشخصيات الدبلوماسية. وما تتجاهله الجماعة هو أن الأيديولوجيا لا تعطّل القوانين ولا تلغي الحدود بين الدول.

تُناهِض الدولة وتطلب حمايتها…!!

في الرسالة الصوتية للدكتور أتيتيش، التي بثتها الجماعة على موقعها الرسمي تساءل بصيغة العتاب عن السبب “الذي اقترفناه في حق بلد تركيا أو بلدنا المغرب الذي لم يكلف أحد من المسؤولين نفسه للدخول على الخط من أجل إنهاء هذه الأزمة”.

وقد تناسى الدكتور أن كل أدبيات الجماعة التي خطّها مرشدها الشيخ ياسين وتربى عليها جميع أعضائها، تناهض الدولة بكل مؤسساتها الدستورية وتجعل إسقاطها أهمّ الأهداف المركزية التي قامت الجماعة من أجلها. فالدولة المغربية في أدبيات الجماعة، هي “دولة السلطان”، ودولة “العض والجبر”، ودولة التسلط والاستبداد. لهذا ترفض الجماعة المشاركة السياسية في مؤسسات الدولة، لأنها تعتبرها المشاركة) اعتراف بشرعية النظام ومؤسسات الدولة و”ترميم للصدع” الذي، في اعتقاد الجماعة، بات يتهدد النظام بالانهيار.

ألم يقل مرشد الجماعة “سيظل السوس ينخر في جسم النظام وبعد الضربة المفاجئة، ستتوالى الانتكاسات وخيبات الأمل” (ص. 23 مذكرة إلى من يهمه الأمر)؟. لكن بمجرد احتجاز عضوها في المطار بتركيا حتى تذكّر أن هناك دولة وهناك مؤسسات، وفي مقدمتها وزارة الخارجية، ولها السلطة والشرعية السياسية والقانونية لتتبنى قضيته وتطرحها على نظيرتها التركية.

أمر عجيب وغريب أن تظل الجماعة تستهدف الدولة المغربية في شرعيتها، وفي مؤسساتها، وفي نظامها السياسي، وفي دستورها وقوانينها؛ بل تسمح لنفسها الإعلان عن إعداد الأتباع وتربيتهم “ليوم الزحف” على السلطة وتدمير أركان الدولة بغرض إقامة “دولة القرآن”، وحين احتجاز عضوها بمطار تركيا تستنجد بما تنكر شرعيته.

لم تكْفِ الجماعة تلك الأدبيات التي تركها الشيخ ياسين وكلها عداء وتكفير ومناهضة للدولة وللنظام، بل تخصص إعلامها الرسمي والموازي لمهاجمة قرارات الدولة المغربية وتسفيهها حتى وإن تعلق الأمر بالقضايا الدبلوماسية التي اتخذ فيها المغرب موقفا محددا مثل استدعاء السفير بدولة السويد احتجاجا على السماح للمتطرف العراقي بإحراق القرآن الكريم وعلى توفير الحماية الأمنية لتنفيذ جريمته. قرار هاجمته الجماعة، عبر إعلامها الموازي، بكل شدة بحيث جعلت من احتجاج المغرب موضوعا يستحق الاستنكار أكثر مما يستحقه إحراق القرآن. إذ فضلت الجماعة انتقاد قرار المغرب بدل التنديد بالجريمة التي ارتكبها المتطرف العراقي ضد جميع المسلمين. الآن تذكّرت الجماعة الديمقراطية والقيم الإنسانية.

إن احتجاز الدكتور أتيتيش من قبل سلطات مطار أنطاليا التركي جعل الجماعة تحتمي بالديمقراطية وبالقيم الإنسانية، وهي التي تزخر أدبياتها بانتقاد الديمقراطية وتكفيرها وكل منظومتها القيمية والحقوقية والفلسفية.

ومما كتبه مرشد الجماعة ويؤمن به الأتباع، أن منظومة حقوق الإنسان “أحبولة وغطاء لإرادة السيطرة على بني الإنسان” ومن تم فإن “خطاب حقوق الإنسان والقانون المتوقع الذي يُتَوِّجه، ما هما إلا كذب وبهتان سياسي ذو خلفية أخلاقية مثلما تزوَّرُ على المسرح لوحات عمارة ولا عمارة” (ص. 211 – حوار مع الفضلاء الديمقراطيين).

بكل بساطة ووضوح، فإن منظومة حقوق الإنسان عن الجماعة هي (حقوقيةُ قَويٍ منتصر، لا يمكن إلا أن تكون بطبيعتها وطبيعة مولدها ومقوماتها نوعا من قانونية فصائل ذئاب متنافسة فيما بينها متصالحة، يقابلها فصائل حِملان)؛ لكن حين اعتقال عضو من أعضائها أو احتجازه، كما هو حال الدكتور أتيتيش، تصير منظومة حقوق الإنسان مظلة تحتمي بها الجماعة وأعضاؤها، كما فعل مسؤول مكتب العلاقات الخارجية لجماعة العدل والإحسان، محمد حمداوي، إثر احتجاز أتيتيش، حيث كتب أن مناسبة الاحتجاز هذه (تتيح للإنسانية جمعاء معرفة حقيقة الشعارات التي ترفعها الكثير من الأنظمة التي تدعي انتصارها للقيم الإنسانية.)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock