ثقافة و فن

أبو القاسم الشبري يكتب: المغرب أولا. هو الحضن، هو الموطن، هو المآل…

أجمل ما عبرت عنه أستاذنا الفاضل، سي أحمد عصيد، هي عبارة "ديما الأمازيغ. ديما المغرب"، وأنت تنشر صورة لك مع الشعار الكبير أدونيس يحاول اختطاط إسمه بحروف تفيناغ.

أبوالقاسم الشبري*

المغرب أولا. هو الحضن، هو الموطن، هو المآل. ويستمر النضال.

لم يكن المغرب يوما تابعا للمشرق، ولم يحكمه يوما المشارقة باعتباره إمبراطورية نبتت ونشأت على إرث الممالك الأمازيغ التي سبقت الإغريق والرومان وعاصرتهم.

لقد ركب الكثيرون على وجود المغرب ضمن مجال إقليمي يسمى المنظومة العربية في لغة المنظمات الأممية فجعلوا منه بلدا عربيا، بينما قام الكثيرون من المدافعين عن أمازيغية المغرب بإلغاء المكون العربي. وهذين معا خطأين فظيعين، يكذبهما التاريخ والواقع والعلم. ولذلك لا أستحيي من نعت الطرفين المتطرفين بالظلاميين.

والحقيقة أن المغرب بلد أمازيغي تم تعريب أغلبية قبائله أو جلها، وفيه تزاوج الأمازيغ مع العرب وأفارقة جنوب الصحراء ومع الرومان الإيطاليين والبرتغاليين (طوعا أو بالاستعباد والترحيل) ثم الإسبان والفرنسيين، قبل أن يعم الزواج المختلط لدى مغاربة المهجر مع أغلب أجناس الأرض، حيث يوجد بالخارج سبعة ملايين مغربي ومغربية “لفظهم” الوطن الذي لم يجدوا فيه سبيلا للعيش الكريم.

وما يتغافل عنه الباحثون، وضمنهم مناضلو الحركة الأمازيغية، هو أن تلك اللقاءات التاريخية وذاك التلاقح الثقافي عبر العصور مع عدد من شعوب أفريقيا وأوروبا وغرب آسيا، جعلا الدم المغربي يجري في عروق عدد من الأمم، أولها البرتغاليون ويليهم الطاليان وأفارقة جنوب الصحراء والمشارقة الذين ليسوا كلهم عرب طبعا، مثلما تعلم.

الخطأ الآخر الذي يسقط فيه الباحثون ومناضلو الحركة الأمازيغية بالخصوص هو ترديدهم مفهوم أو نعت “العرب الأندلسيون” (les Arabo-Andalous)، لأنهم يتناسون أو يجهلون أن الأندلس عمر أرضها الأمازيغ أكثر بكثير من المشارقة الأمويين. ولذلك يؤلمني سقوط المدافعين عن أمازيغية شمال أفريقيا في شباك دعاة العروبة. وأنا لا ألغي دعاة العروبة إذ أدافع عن الهوية الأمازيغية لبلدي المغربي، لأنني لست ظلاميا.

أخيرا، العروبة ليست عيبا والقومية العربية ليست عيبا، مثلما أن القومية الأرمينية ليست عيبا. العيب هو إلغاء الآخر، من هذا الطرف أو ذاك. وفي كوكب الكرة الأرضية، ومن أبجديات جيوبوليتيك، تحتاج الشعوب إلى تكتلات وتحالفات ، واندماج أحيانا. ولذلك فإن اندماج دول شمال أفريقيا في منظومة عربية أو منظومة أفريقانية لا يلغي بتاتا أصولها، الأمازيغية التي لا تلغي دخول العنصر العربي وغيره في دمائها، مثلما أن اندماج السلاڤيين مثلا في الاتحاد الأوربي لا يلغي أصولهم. لكنهم توحدوا تحت راية أوربا، الإمبريالية، الدموية. وأنت تعلم يا أستاذ عصيد أنه لا يوجد فوق الأرض شعب يجري في عروقه دم واحد وحيد نقي وطاهر، وتعلم أنه لا يوجد في أوربا مثلا بلد مشكل من عرق واحد ووحيد.

وبناءا على ما سبق، انتبه المجتمع الدولي إلى هذه الإشكاليات المثيرة للجدل في كل بلد بلد وداخل كل منظومة إقليمية، فقامت مثلا منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، اليونسكو، بإصدار مواثيق دولية تحفظ التنوع الثقافي واللغات الأصلية والمحلية وتحمي حقوق الأقليات حيث وجدت.

أنت تعلم جيدا سيدي أحمد أن كل غزو يخلف مآسي، لكنه ينتهي غنيمة حرب عند من تم احتلاله، واللغة والثقافة غنيمة مثلى، لمن أحسن ذبحها والإفادة مما تحويه من ڤيتامينات، تماما مثلما غنمنا أمس مثلا اللغة والثقافة الفرنسية والإسبانية، ضدا على كل ما خلفه الاستعمارين الغاشمين من نكبات ومآسي، من نهب وسبي وتقتيل وإحراق. وبنفس المنطق، فاللغة العربية التي نتواصل بها هنا على حائطك، هي أجمل وأعظم غنيمة حرب غنمها المغاربة، وأمازيغ شمال أفريقيا عموما. وأنت لا تجهل كون اللغة العربية هي أغنى لغة في العالم.

سي أحمد، آفتنا أن الكثيرين بيننا انغمسوا في الثقافة الفرانكفونية بشكل هستيري، ولا لوم عليهم، بينما نلوم من انغمسوا بنفس القدر أو أقل في الثقافة العربية. وفي كلتا الحالتين هناك تبعات سياسية واقتصادية. والفرق الوحيد بينهما اه وجهان : الأول هو أن التعلق الهستيري بالفرانكفونية أجهز على سياسات واقتصاديات المغرب، بينما يظل التعلق الهستيري بالعروبة مجرد وشاج منعزل ومحصور لم ينتج عنه نهب ثروات البلد مثلما نهبته وتنهيه فرنسا. والثاني هو أن المتعلقين بالعروبة مهمشون، بينما يعشش أبناء فرنسا في أسمى مواقع القرار، في كل البلدان التي اغتصبتها فرنسا أمنا.

جميل أن تدفع الشاعر أدونيس إلى اختطاف إسمه بحروف تفيناغ، مثلما قمت أنا نهاية 2022 بمساعدة أستاذة جامعية إيطالية لتكتب إسمها “نادية” بأحرف عربية، نزولا عند رغبتها ونحن على مائدة مطعم. ونحن نوقع مقالاتنا بأحرف أوربية.

ويبقى عالقا إشكال حروف تفيناغ وتشفير الكتابات الليبية القديمة. وهذا موضوع علمي لا يحتمل العاطفة ولا الهواية.

تحية نضالية سي أحمد عصيد.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

  • باحث أثري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock