أبعدوا لخوانجية عن المجالس العلمية والخطب المنبرية
كشفت قضية الأستاذ إدريس الذهبي، أستاذ التعليم العالي بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز – فاس، عن تغلغل عناصر جماعة العدل والإحسان في المجالس العلمية المحلية والجهوية...
سعيد الكحل
كشفت قضية الأستاذ إدريس الذهبي، أستاذ التعليم العالي بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز – فاس، عن تغلغل عناصر جماعة العدل والإحسان في المجالس العلمية المحلية والجهوية. ولهذا التغلغل خطورته على الأمن الروحي للمغاربة، من جهة، ومن أخرى على أمن وسلامة الأساتذة الذين يعبرون عن قناعات فكرية وإيديولوجية تخالف قناعات جماعة العدل والإحسان ومشروعها السياسي والاجتماعي الهادف إلى إقامة “نظام الخلافة على منهاج النبوة”. ويمكن التركيز على جانبين في غاية الخطورة لهذا التسلل:
1 ـ خرق خطة إعادة هيكلة الحقل الديني
معلوم أن جلالة الملك انكب، منذ توليه مقاليد الحكم، على إعادة هيكلة الحقل الديني حتى يكون منسجما مع المشروع المجتمعي الحداثي الديمقراطي الذي يتبناه جلالته، من جهة، ومن أخرى حمايته من العناصر المتطرفة والتيارات المذهبية الدخيلة التي خربت عددا من المجتمعات المشرقية، حفاظا على وحدة المذهب المالكي وثوابت الشعب المغربي. وهذا ما شدد عليه جلالته خلال تنصيب أعضاء المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية الإقليمية يوم 15/12/2000، كالتالي: “إننا نريد من مجالسنا العلمية أن تكون مجالا رحبا يتيح للعلماء أن يؤدوا رسالتهم الدينية والوطنية بدءا بتأطير المواطنين والمواطنات أينما كانوا لتحصين عقيدتهم وحماية فكرهم وإنارة عقولهم وقلوبهم بما يجعلهم مؤمنين ملتزمين بدينهم ومقدساتهم غير مهددين بتيارات التشويه والتحريف”. إن وجود أعضاء ينتمون إلى جماعة العدل والإحسان داخل المجالس العلمية، المحلية والجهوية، يُعد خرقا لخطة إعادة هيكلة الحقل الديني وعرقلة لإستراتيجية تحصين المجتمع المغربي من الاختراقات المذهبية. إذ لا يمكن لمن لا يؤمن بهذه الاستراتيجية أو يناهضها أن يتفانى في تطبيقها. الأمر الذي لن يساعد المجالس العلمية على تأدية الأدوار وتحقيق الغايات التي وُجدت من أجلها. فبدل أن تذود عن ثوابت الأمة المغربية وقيمها ستعمل العناصر الدخيلة والمتسللة على تهديدها؛ ومن ثم تهديد الأمن الروحي للمغاربة والسعي لإفشال المشروع المجتمعي الذي يطمح إليه جلالته والشعب المغربي بكل قواه الحية كما جاء الرسالة الملكية إلى أعضاء المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية 29/04/2009: ” وإذا كنا قد أعلنا عن حرصنا الدائم والمستمر، في أكثر من مناسبة، على تعزيز الأمن الروحي بمملكتنا، بتحصين عقيدتها، وصيانة وحدتها المذهبية، والذود عن ثوابتها وقيمها؛ فإننا ما زلنا نؤكد على ضرورة إدماج الخطاب الديني، في صلب المشروع المجتمعي الذي نعمل جادين على إنجازه، لتحقيق التنمية البشرية المنشودة، ورفع تحدياتها واستشراف المستقبل، في ثقة وعزم واطمئنان.”
إن العضوية في المجالس العلمية ليست مهمة مسموح لأي كان من حفظة القرآن وخريجي المعاهد الدينية أن يتولاها؛ بل لا بد أن تتوفر فيه الشروط والمؤهلات التي حددها جلالته عند تعيين أعضاء المجلس العلمي الأعلى أو في رسائله إليهم، أو في ميثاق العلماء، أو في ظهير تشكيل هيئاتهم. وفي هذا الإطار أكد جلالة الملك “أننا لعازمون على المضي قدما، للارتقاء بالشأن الديني… باعتباره في صلب الإصلاحات الوطنية الحيوية التي نقودها، وفي مقدمتها توفير الأمن الروحي والحفاظ على الهوية الدينية الإسلامية المغربية، المتميزة بلزوم السنة والجماعة والوسطية والاعتدال والانفتاح والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة وما يرتبط بها من مبادئ الإسلام السمحة” (الرسالة الملكية إلى العلماء شتنبر 2008). فهل أعضاء جماعة العدل والإحسان يستوفون الشروط ليحظون بشرف العضوية في المجالس العلمية؟
2 ـ حمل مشروع سياسي مناقض للمشروع الحداثي والديمقراطي
إن تعيين أعضاء بالمجالس العلمية ينتمون إلى جماعة العدل والإحسان لا يستقيم مع التوجيهات الملكية وإستراتيجية هيكلة الحقل الديني. ذلك أن كل أعضاء الجماعة يحملون مشروع إقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة، كما يسعون للزحف على السلطة والسيطرة على الدولة. لهذا أزالوا من أعناقهم عقد البيعة للملك ولا يدينون له بالولاء. إذن، فكيف لأعضاء الجماعة، والحالة هاته، أن يكونوا نوابا لأمير المؤمنين وهم لم يبايعوه ولم يوالوه كما هو دأب علماء المغرب مع سلاطينه “وإن العلماء الذين هم النواب عن أمير المؤمنين في تبليغ أحكام الشرع، كانوا على مدى العهود وما زالوا في طليعة بناة الوطن وحراس كيانه والمدافعين عن مقدساته خداما للعرش الذي هو الدعامة لاستمرار الأمن والاستقرار، وكانوا بصدق وإخلاص وولاء ووفاء وبمساندة عفوية وتلقائية متجاوبين مع ملوكه الذين هم حماة الوطن والدين ورموز الشرعية والسيادة”(الكلمة السامية لجلالته أثناء تنصيب أعضاء المجلس العلمي سنة 2000). إن جماعة العدل والإحسان لها مشروعها السياسي ولها ولاة أمرها غير مشروع المغاربة ولاة أمرهم؛ ومن ثم فعناصر الجماعة لا يصلحوا أن يكونوا نواب أمير المؤمنين ولا مدافعين عن المقدسات ولا خداما للعرش ولا حماة للوطن؛ وتلك هي شروط العضوية بالمجالس العلمية التي حددها جلالته “وإن العلماء الذين هم النواب عن أمير المؤمنين في تبليغ أحكام الشرع كانوا على مدى العهود ومازالوا في طليعة بناة الوطن وحراس كيانه والمدافعين عن مقدساته خداما للعرش الذي هو الدعامة والضامن لاستمرار الأمن والاستقرار وكانون بصدق وإخلاص وولاء ووفاء وبمساندة عفوية وتلقائية متجاوبين مع ملوكه الذين هم حماة الوطن والدين ورموز الشرعية والسيادة”.
لا غرو أن عضوية عناصر من الجماعة بالمجالس العلمية مخالف للتوجيهات الملكية التي تشدد على شرط الولاء والإخلاص لثوابت الأمة ومقدساتها كما هو وضاح في الرسالة الملكية للعلماء في ماي 2004 ” فإننا قد وضعنا طابعنا الشريف على ظهائر تعيين أعضاء المجالس العلمية في تركيبتها الجديدة، مكلفين وزيرنا في الأوقاف والشؤون الإسلامية بتنصيبها لتقوم من خلال انتشارها عبر التراب الوطني بتدبير الشأن الديني عن قرب وذلك بتشكيلها من علماء مشهود لهم بالإخلاص لثوابت الأمة ومقدساتها والجمع بين فقه الدين والانفتاح على قضايا العصر”. ولا تنحصر الخطورة في العضوية بحد ذاتها لعناصر من الجماعة بالمجالس العلمية، بل تتجاوزها إلى ما هو أشد وأخطر تهديدا للأمن الروحي للمغاربة. ويتجلى ذلك من خلال المهام التي حددها الظهير الشريف رقم 1.03.300 الصادر في 2 ربيع الأول 1425الموافق 22 أبريل 2004 الخاص بإعادة تنظيم المجالس العلمية، ومنها:
ــ تنظيم حلقات خاصة للتوعية والتوجيه الديني لفائدة المرأة المسلمة تؤطرها بصفة خاصة شخصيات علمية نسائية؛
ــ الإشراف على تهييئ مسابقات دورية لحفظ القرآن الكريم وتجويده؛
ــ الإسهام في تأطير حملات محو الأمية بسائر مساجد المملكة؛
ــ الاضطلاع بمهمة إرشاد المواطنين والمواطنات المغاربة من المسلمين في أمور دينهم، ولا سيما تيسير سبل اطلاعهم على معرفة أحكام الشرع المتعلقة بحياتهم الخاصة؛
ــ تنظيم ندوات علمية وموائد مستديرة لدراسة قضايا الفكر الإسلامي المعاصر والإسهام في نشر الوعي الإسلامي الصحيح؛
ــ الإشراف على عمليات اختيار القيمين الدينيين واختبار قدراتهم العلمية والفقهية لشغل مهام الإمامة والخطابة والوعظ والإرشاد بمختلف مساجد المملكة؛
ــ تنظيم دورات للتكوين الأساسي والتكوين المستمر لفائدة القيمين الدينيين بصفة منتظمة قصد تأهيلهم والرفع من مستوى أدائهم).
إن أعضاء الجماعة المتسللين إلى المجالس العلمية سيستغلون سلطتهم الإدارية والاعتبارية التي يمنحها لهم الظهير الملكي في تزكية عناصر الجماعة لشغل مهام الخطابة والوعظ والإرشاد بالمساجد. وتلك فرصة ذهبية للجماعة لتمرير خطابها ونسف جهود الدولة في تأطير وهيكلة الحقل الديني. ولعل الحالات التي تم إيقافها عن اعتلاء منبر الخطابة بعدد من المساجد تؤكد غاية الجماعة من اختراق المجالس العلمية. والأمر لا يتعلق فقط بالخطباء، بل يشمل كذلك المرشدات الدينيات المنتميات للجماعة واللائي يناهضن التوجهات الرسمية للمملكة في النهوض بأوضاء النساء وإقرار المساواة.
نحن، إذن، أمام وضعية تستوجب التصحيح واحترام الأطر المرجعية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في تدبير الحقل الديني واختيار أعضاء المجالس العلمية حتى لا يصدق على جهود الدولة وإستراتيجيتها قول الشاعر صالح بن عبد القدوس:
“متى يبلغُ البنيانُ يوماً تمامَهُ.. إذا كنتَ تبنيه وغيـرُكَ يَهدم”.